السبت، 26 فبراير 2022

عن الحرب

 

الكون كان هادئا لكن فجأة تبدل كل شئ ، الظلام كان مسالما لكن أضاءته حرائق وانفجارات ، طائرات وصواريخ يطارد بعضها بعضا ، دوى القذائف والطلقات ، تُلقى القذائف هنا وهناك ، لا تبالى على أى مكان تقع .

الأشجار تحاول الصمود فتنتزع من جذورها ، البيوت تُسوى بالأرض ، تحولت إلى كتل من الركام ، كل شئ أصبح خرابا ، سيارات مشتعلة ، حفر تفوه من بطنها النيران ، محطات وقود خُربت بالكامل ، شبكات الكهرباء والاتصالات دمرت ، محطات المياه فجرت ، طرق أغلقت بفعل القذائف التى شقتها ، جثث يفور منها الدم ، القذائف منزوعة القلب ، لا تفرق بين صغير وكبير ، شيخ وطفل ، ذكر وأنثى ، قوى وضعيف ، انسان وحيوان ، نبات وجماد ، الكل يدرك نصيبه ، ويتجرع معاناته .

الناس تتكدس ، تفر ، تبحث عن ملاجئ تحتمى بها ، الوجوه ملطخة بالسواد ، وأجساد مخضبة بالدماء وأخرى تتخبط وتتعثر ، العيون تبكى غابت عنها لمعتها وذهبت منها فرحتها وبدلت طمأنينتها خوفا ورعبا ، السيارات تتكدس فوق الجسور ، لم يعد أحد فى مأمن ، فى الحرب الكل خاسر حتى من يظن أنه انتصر ، الكل فيها يفقد شئ حتى نفسه ربما يفقدها ، حتما ستفقد روحك ، قلبك ، ذاتك ، بعضا منك ، أقاربك ، أهلك ، أصحابك ، جيرانك ، معارفك ، ذكرياتك ، انسانيتك ، ستفقد شيئا حتما ، الحرب مخيفة ولا يدفع فيها الثمن غير من لا ناقة له فيها ولا جمل .

الخراب فى كل بقعة ، المركبات والأليات محطمة على جوانب الطرق ، جذوع الأشجار واقعة هنا وهناك ، تكاد لا تجد متسعا تمر منه ، الأرض لم تعد ممهدة ولا صالحة للسير ، بوارج غارقة وسفن مستلقية على جانبها وأدخنة تتصاعد .

صافرات الانذار لا يكف دويها رغم أن الوضع فى الملاجئ يزداد سوءا ، أكوام من أجساد البشر مكدسة فوق بعضها ، المؤن لا تكفى ولا الثياب ولا الغطاء ، الحزن يخيم والكل يتوجع والألم مسيطر على الملامح والبكاء لا يكف .

الويل لكل الويل للأسلاك الشائكة ، للحدود ، للمعابر ، لمن يحول دون الانسان وحياته ، لمنيئد الأحلام قبل أن تولد ، لمن يقتل الضحكات والوجوه الباسمة ، لمن يسجن أحدهم فى بؤرة لا يسمح له بالمرور حتى يقتنصه الموت ، الويل كل الويل لمن مات داخله الإنسان ، الويل كل الويل لمن خذل ، لمن باع ، لمن فر ولمن خان .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

ما ادق وصفك وما أمر تعبيراتك عن الحروب ومعاناتها
كان الكلمات تنزف دما !
فالويل كل الويل لمن ظلم وخذل واستباح
متفوق كالعاده يا استاذ محمد ما شاء الله