الجمعة، 14 سبتمبر 2012

أوقات على هامش رحلتى


تمر الأيام وتتوالى وينقضى العمر ويرحل ، مراحل تنقلنا لمراحل وتسطر المصائر وفقا لما كتبته الأقلام مسبقا .                                                                
فى هذه المرة أسطر أوقاتا من رحلتى ولكنها على أعتاب أحضان قريتى ، وكنت قد قررت  زيارة أهلى فلم أرهم منذ ما يزيد عن الاسبوعين ، خرجت مبكرا تاركا زوجتى وولدى وديعة فى يد من لا تضيع عنده الودائع ، دقائق من السير حتى وصلت الى موقف السيارات ومن هنا استقليت أول سيارة فى رحلة ربما تتجاوز ساعتين متنقلا بين العديد من السيارات ويقطع ما بينهما فواصل من السير ، الى جانب السائق كان مقعدى فابتدأت رحلتى بدعاء السفر وتبعته بتلاوة ما تيسر لى من كتاب الله ثم أخرجت من حقيبتى رائعة د / مصطفى سيف الدين " ضوء أسود " ، صحبنى طوال رحلتى وتتغير أحاسيسى وتقاسيم وجهى بتغير ما أقرأ ورغبت فى توجيه كلمات الى صديقى المقرب الى قلبى أخبره فيها "أن الضوء الأسود مهما على ينجلى ومهما امتد وقته وطال يزول ويستبدل بضوء ابيض يشع منه النور فتبتهج الأكوان"  ،كنت  قد تصفحته قبلا وبالطبع قرأت الكثير مما ورد فيه على مدونة طير الرماد واليوم فقط أتيح لى الوقت لقرائته كاملا فهنيئا لك أخى بما خطته يداك فمتعة كلماتك صحبتنى طوال سفرى ومازال مذاقها ملتصق بى فما أحلى شهد كلماتك .                        
تستمر السيارات فى الانتقال من مكان الى مكان تتجول فى أرجاء محافظتى التى انعم الله عليها بشعب طيب وتاريخ أصيل فقد كانت طوال تاريخ مصر بوابتها الشرقية ومنَّ الله عليها بمرور الأنبياء بارضها ليس ذلك فحسب بل واقامة بعضهم فيها  ومن بعدهم اتخذها بعض الصحابة مسكنا لهم وكذلك فعل نسلهم من بعدهم وبها العديد من الأثار الاسلامية على رأسها أول مسجد أقيم فى مصر بعد دخول عمرو بن العاص لمصرنا فاتحا وهو مسجد سادات قريش الواقع فى مدينة بلبيس ولن أتحدث عن الأثار الفرعونية وعن تاريخ محافظتى فى العصر القديم  فأنتم أعلم منى بذلك ، نعم أنا من المحافظة التى يعلم عن اهلها أنهم عزموا القطار والبعض يقول ذلك دليلا على كرم أهلها والبعض يقول ذلك استخفافا وما أرى ذلك سوى واجبا على كل من يكون فى نفس الموقف وما أظن أن أيا منا يصنع عكس ما صنعه أهل الشرقية حينما أذن مغرب رمضان والقطار بالمحطة ومن به صائمين ، نعم نحن أول من صنعنا ثورة شعبية ووقف جدنا احمد عرابى أمام قصر عابدين وقال كلماته الخالدة  " لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا ولا عبيدا فوالله الذى لا اله الا هو لن نورث ولا نستعبد بعد اليوم "، نعم نحن الشعب الذى كان يقدم كل ما يملك راضيا لأهله فى مدن القناة عندما حدث العدوان الثلاثى الغاشم على مصر واستضفنا أهلنا فى بيوتنا وعددنا أنفسنا ضيوفا عندهم وليس العكس .                                                      
تنقلت السيارة قاطعة عشرات الكيلومترات من أقصى حدود محافظتى مع الاسماعيلية الى أخر قرية فى محافظتى وهى مسكنى والتى تتقاسم الحدود مع محافظتى القليوبية والدقهليه ، تلكم القرية الطيب أهلها والذين ظلموا كثيرا لتناقل الكثير الأخبار عن قلة قليلة فيها ويتناسون من بها من أصحاب الفضل ولو تعرفوا يوما لأهلها ما قالوا ذلك أبدا ولكننا نجيد تناقل الأخبار دون أن ندع لعقلنا وقتا يتدارسها فيه ويالخيبتنا من قول الكل يطبقه الا ما رحم الله " الحسنة تخص والسيئة تعم " .                       
على بعد النظر بدت أطراف قريتى تبدو فى الأفق وتلمع ولكن معالمها صارت مختلفة عن ذى قبل ، كثير من البنايات أقيمت على الأراضى الزراعية حتى كادت المساحات الخضراء أن تتلاشى ، أتذكر قديما كان ذلك الطريق يتوسطه مجرى مائى تحيطه الأشجار من كلا جانبيه تفوح منها روائح الخير ، يزينها خطوات الشباب أوقات العصر يسيرون يستذكرون دروسهم ويسطرون بأيديهم مستقبلهم .                    
الحمد لله وصلت قريتى بخير " اللهم إنى أسألك خير هذا البلدة وخير أهلها وخير من فيها وأعوذ بك من شر هذه البلدة وشرأهلها وشر من فيها ..." .                     
دقائق قليلة وها أنا أقف على أعتاب بيتنا ذاك المنزل الريفى البسيط جدرانه من الطوب اللبن ومطلى بدهان أصفر ، أتخطى العتبة أختى الأكبر منى ومعها أختى الصغرى يجلسون فى المطبخ أمام وجهى ، ألتفت يمينا وجدت أبى جالسا يتناول أفطاره وبجواره أمى وكانت للتو عائدة من الحقل القيت عليهم السلام وقبلت يد أبى وأمى وبادلونى العناق وقدمت اختاى تلقيان عليَّ التحية ، فوضعت حقيبتى وجلست بجوار والدى وأمى نتناول افطارنا وكانت عقارب الساعة تخطت التاسعة بدقائق قليلة .             
دوما الأوقات التى نحبها ونشتاق اليها تتسلل من بين أيدينا مسرعة ، كثير هم الذين أخبرونى بأن الله توفاهم وقبضهم الى جواره ، كثير هم الذين تبدلت أحوالهم وتغيرت ، وهكذا طبع الحياة فدوام الحال من المحال .                                              
مر الوقت سريعا وقدم أخى للمنزل لزيارة سريعة هو أيضا وقدمت أختى الكبرى وزوجها وأولادها وكأن العائلة تبتهج لقدومنا وكأن المنزل يطرب بزيارة  أبنائه له ، مر اليوم مسرعا بين حديث وزيارات سريعة وها أنا أستعد للبدء فى خطوات العودة .
أستودع أخوتى وديعة فى يد خالقهم وتصر أمى أن تأتى معى حتى أركب السيارة  فاخطو خارجا من البيت فأجد جارة لنا تقدم إلى وتخبرنى بأن أبنها يريد رقم هاتفى فأعطيها الذى طلبت ثم تخبرنى بأن أبنة أبنتها قد تخرجت للتو من كلية الحاسبات والمعلومات وكانت الثانية على دفعتها وأنهم يريدون منى مساعدتهم فى الحصول على وظيفة لها فأعدها بأنى سأحاول قدر ما استطعت وأودعها واكمل خطواتى مع امى حتى وصلنا الى الطريق فوجدت أبى فى انتظارى ووجدت أبنة جارتنا تنتظرنى واخبرتنى ما سبق أن أخبرتنى به أمها واجبتها نفس الاجابة وعانقت أبويا وبدأت العودة من حيث اتيت وما هى الا دقائق فاذا بخال الفتاة يطلبنى ويخبرنى بنفس الشأن .........فماذا بيدى كى أفعل ؟.                                                              
إلهى وسيدى ومولاى
يظن الناس بى خيرا وإنى
لشر الناس إن لم تعف عنى
وكم من ذلة لى فى البرايا

وانت على َّ ذو عفو ومنى

7 رأيك يهمنى:

لــــ زهــــــراء ــــولا يقول...

ياسلااااااااااااام على هذه الرحلة الجميلة انت كنت فيها مرشد سياحي تصف لنا دون رؤية للصور ووصلت صورتك عن المكان الذي تربيت فيه وعشت فيه وذبت فيه وذاب فيك
اول مرة اعرف تلك المعلومات التي سردتها
وعرفت يعني ايه احنا اللي فطرنا القطر (: ربنا يجعلكم ديماً اهل كرم وعماااااااااااااااااااااار يا كل شوارع مصر
في كل حتة فيها بصمة من بصمات التاريخ العريق سواء فرعوني او اسلامي ... ربنا يعينك وتلاقيلها شغل (:
مناسب

حمداً لله على سلامتك وربنا يجعلها في ميزان حسناتك وصلة لرحمك

لولا

زينة زيدان يقول...

لقد وصفت الرحلة بتقاسيمها الجميلة ابتداء بالضوء الأسود و مرورا بجمال الطبيعة و والاعتزاز ببلدتك ..و الأحبة و الامل في عيون الناس
وانتهاء بمسئولية
عندما يستجدي الناس منك خيرا فهم يرون فيك ذلك .. افعل ما تستطيع و امنحهم أمل في وجه الله الكريم و لا تردهم خائبين
ابتسامتك ونظرة الامل لديك تمنحهم الكثير
و لا تستهن بشيء فإن الله على كل شيء قدير

أشكر كلماتك التي جعلتنا رفقاء لك في هذه الرحلة

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

ياسلالالالالالالام على علم الشرقية الرائع :)

احسنت تصوير خواطرك يا ابو معاذ
اخذتنا معك فى رحلة ( اصيلة ) فى وطنك الطيب الممتلىء دفء وطيبة واصالة وتاريخ وكرم وشهامة

دائما استشعر فى كتاباتك الاصول وجذور مصر الطيبة

بارك الله فيك اخى وخفظك واسرتك وحبب فيك كل الخلائق
دمت بود

Unknown يقول...

السلام عليكم...
أتابعك منذ مدة، ولكن لا أدري لماذا لم أكن أستطيع فتح تدويناتك في السابق؟
هذه أول تدوينة أقرأها لك، أروع كتابتك.
أسعدني هنا الكثير، فأنت شرقاوي مثلي، وقريتك من خلال وصفها لا تقع بعيدا عن مسقط رأسي، وكما أسعدك كتاب "ضوء أسود" فقد أسعدني قراءته وكنت أتمنى أن أكتب عنه لولا أن صاحبه لم يعطني الإذن!
تقبل تحياتي...

غير معرف يقول...

مساءك نور يغمر قلبك

رائعة هي رحلتك لتلك الحدود التي صنعت

بداخلك الرجل الذي عشق فيها كل

تفاصيلها الجميلة فيبقى بداخلك حنين

يأخذك إليها ففيها أهل وأحبة وتراب

تعشقه ليكون كفيل بعودتك في كل مرة

مهما أخذتك الحياة وطوتك السنين و

أجمل مافي رحلتك أنك فصلتها بروعة

ودقة فصحبتنا معك في كل مراحلها ..

الحمد لله على السلامة وتحياتي لك

وللأهل وللأخ والصديق مصطفى سيف .

مدونة رحلة حياه يقول...

وعليكم السلام
حبيت اعرفكم بحياتى وبلدى واهلى وناسى
دومتم بخير احبتى

مصطفى سيف الدين يقول...

رحلة حقيقية من كوكب لآخر من جو المدينة الخانق إلى الحياة الريفية الهادئة
امنياتي طوال عمري تقتصر على امنية واحدة بيت في وسط الريف بجواره شجرة عظيمة اسفلها (كنبة ) أجلس عليها من بعد العصر حتى أنام اسفل الشجرة نوما هادئا
هنيئا لك يا صديقي في رحلتك
و الحمد لله انها عدت على خير بالرغم ان ضوء اسود كان معاك دي مخاطرة يا ابني هههههه :)
شكرا يا صديقي و اسعدني ان الكتاب امتعك و اتمنى ان ينجلي الضوء الاسود و اشكر اصدقائي الذين علقوا هنا
اما عن بهاء طلعت فاقول له : يا عم قول اللي تقوله من غير استئذان يا باشا