الخميس، 7 أكتوبر 2021

الخط الثالث

 

تنزوى على نفسها ، تجلس فى ركن بعيد ، تستند على جدار العزلة ، تستعين بحيطان الصمت ، تقبض بيدها على الاطار الحديدى للمقعد ، ترقب المحطات ، تمر تتوالى أسماؤها ، يدس المترو رأسه فى أنفاق من العتمة ، يؤانسها ضجيج اصطكاكه بالقبضان ، تخرج هاتفها من حقيبتها ، ترتدى غطاء رأس وردى ، ترفع كم قميصها قليلا ، يبزغ بياض ذراعها ، ترتدى شوزا أبيضا فوق شراب قصير تبدو من ورائه قدمها ، يعلوه بنطال من الجينز الخفيف وقميص يليق به ، تبث عينها فى الهاتف ، تنقر بأصابعها شاشته بسرعة بالغة ، الفتيات يجدن ذلك ، تتحدث همسا ، يكاد صوت أنفاسها يعلو فوق حديثها ، نحيفة ، تلتقى عينانا .

يخلو بجانبها مكان ، يملؤه فتى يقارب سنها ، مصبوغ بالكثير من ملامحها ، يرتدى قميصا بلون حلة رأسها ، يفرج عن قدميه فتصصدم الركبتان ، تضم قدميها وتزويهما جانبا ، لا يبالى ، ينظر فى هاتفها ، يضايقها فعله ، أفكر ان أقول له انتبه لجلستك ثم أتروى قليلا ، يعود مجددا ينظر فى هاتفها ، يميل قرب وجهها ، تهمس إليه ثم تميل على كتفه برأسها ، أحظ الشبه بينهما ، يمسك بيدها ويترجلان .

ينزل ركاب ويصعد أخرون ، يجرى أحدهم ، يشغل المكان الشاغر ، تعلو وجهه ابتسامة المنتصر ، تأتى إحداهن فتقف أمامه فينهزم أمام نظرتها ويترك لها مكانه ، السيدات والفتيات يخبرنك أنهن يفضلن العربات المختلطة عن العربات المخصصة لهن خاصة فى أوقات الازدحام ، يعللن ذلك بأن السيدات لن يتخلين عن مقاعدهن لبعضهن أما الرجال والشباب فيفعلون ، يفعلون ذلك ربما بدافع الأخلاق أو دافع الشهامة أو دافع الحرج أو الظهور أو حتى بدافع التحرش ، فى النهاية يتركن له دوافعه تذهب معه حيث رحل ويفزن بالمقعد .

يخرج الناس من العربات يتدافعون ، أفواجا على رصيف المحطة ، يدفعون بتذاكرهم فى أفواه الماكينات فتبتلعها وتفتح لهم منافذ الخروج ، يتجهون ناحية السلم الكهربائى ليصعد بهم الى الأعلى ، قليل من يصعد الدرج على قدميه وأحب أن أكون من القليل دوما .

اتجاهات كثيرة ، الناس كل يحمل فوق رأسه همومه ، البعض يسأل عن اتجاهات الخروج والبعض يسأل عن الطريق لوجهته ، إحداهن تنادى فحص كامل فى ثلاث دقائق ، قديما كانت هنا فقط منافذ للصحف ثم لحق بها منافذ لكروت الشحن والأن أصبح سوقا واسعا ، ملابس وأحذية وحقائب واكسسوارات ، مستحضرات تجميل وعطور ، لافتات كثيرة تعلن عن الاتجاهات ، تشير إلى إحداهن إن اتجاه الخروج من الجهة الأخرى ، أعود للخلف وأتجاوز البوابة الأمنية ، يقابلنى أحدهم فيشير إليه مسئول الأمن أن هذا الباب للخروج والدخول من الناحية الأخرى ولا تنسى أن تضع حقيبتك على جهاز كشف الكذب  ، أصعد إلى أعلى يتلقفنى النهار ، خيمة كبيرة أقيمت كمعرض للمستلزمات المدرسية على اليسار ويمينا السيارات مصطفة يعلن اصحابها عن اتجاهات سيرهم .

أعبر الرصيف وأسير بمحاذاة المبانى الشاهقة متجها إلى وجهتى ، مازالت الكتب مختبئة فى فراشها لم يسمح لها الباعة بعد بالظهور ، وحدها محال الملابس كشفت أستارها وأزالت الحجب عن معروضاتها واطلقت الباعة فى الشوارع والطرقات يستقطبون الزبائن ، تميل إحداهن على وترش على ذراعى معطر .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

المترو والسلم الكهربائى ومنفذ كروت الشحن وجهاز كشف الكذب😀....ذكريات عاشها تقريبا أغلب المصريين
ما أروع وصفك التفصيلى لم تترك تفصيله إلا وتحدثت عنها ولكن بعين الكاتب وسحر كلماته كالعادة أبدعت
سبحان من وهبك حلاوة السرد فلو صح الوصف كأنك تحول التراب إلى ذهب بمجرد حديثك عن أى حدث حتى ولو عادى
الخط الثالث 😊 أبدعت حقيقي كالعادة سلم قلمك يارب اللهم بارك