السبت، 2 أكتوبر 2021

طرح الصبح

 

الديك يصدح وحده ، ينادى مرات ومرات ، زقزقة العصافير تتم لحنه ، وكلب يتلكئ أمام البيوت ، أشجار تنفض أثار النوم عنها ، ونهار يتسرب بلطف وليل جمع حاجاته وسكن ، الأغصان تفتح أعينها ، تتثاءب ، تبتسم كأنها ملائكة .

هدهد يسير بتؤدة ثم يقف مليا ينقر أمامه ، حمامة تضرب بجناحيها ، تجرى عمليات إحماء سريعة ، عربة يصدر منها ضجيج مُسجل ، الضوء نشر بسخاء ، أضواء المصابيح ضاع أثرها وأصبحت كالعدم ، السيارات تكتسى برداء شفاف من الندى ودثار من الضباب ، الشمس تتفجر أنوارها والبرد يتدفئ به .

أسير ، يغمر النعاس عينى ، على يسارى الترعة ويمينا تستقر الحقول فى اطمئنان ، فئران تجرى على الجسور يطاردها ثعبان جائع ، ضفادع تتقافز فزعة ، تغمس الأشجار أغصانها فى الماء تبلل أوراقها ، البقرة امامى وصغيرها فى الخلف ، أمسك بحبلهما ، أمر على حوض ماء فأسقيهما ثم نواصل ، الأشجار سامقة على حافة الترع ، صفصاف ، كافور ، شجرة جميز وحيدة ، تكتلات من البامبو والبوص ، ورد النيل يعلو سطح المياه تتبعه أسراب الريم .

بستان محاط بسياج من سلك مجدول تخرج منه سنون تقطع ، تطل الورود منه رغما عن حراسها ، فل وياسمين وورد بلدى ، فى شم النسيم يزوره الكثير وكلابه تتصدى لهم .

رائحة الزرع رطبة ، طرية كشفتيك ، لها اشتهاء قبلتك ولمعة عينك وشغف امتلاكك ، طعمها كرحيق عشقك ، دفئها كجمر غريزتك ، شهية حيثما انزلقت لثمتها .

الزرائب تقف على رؤوس الحقول ، سواقى الماء وأشجار النخيل ، عروق خشبية تصل ما بين الجسرين تكاد تلامسها المياه ومن نعس قليلا غشيته فأفاق ...

فى جانب متفرع يمينا " مزقة صغيرة " ، تمر فى هذا الجانب حتى تنتهى فى المصرف المار على البلدة التى تلينا ، تسقى الحقول الرابضة على جانبيها ، يحيطها ما يحيط غيرها من الترع والمصارف ، ناحية من الطريق مهدها سير الجرارات الزراعية عليها والناحية الأخرى لا تصلح سوى لسير المزارعين وحميرهم ومواشيهم ...

أواصل السير ، أتخطى الكوبرى الواصل بين الترعة على يسارى ومصرف أخر قدم من ناحية اليمين ويمتد إلى البلاد التى تمتد مع غروب الشمس ، أنعطف يسارا ثم يمينا فأصبحت الترعة عن يمينى الأن والحقول عن يسارى ، فى الأفق بيوت متناثرة لعزبة صغيرة يتقدمها مسجد يكاد يكفى سكانها محدودى العدد ، يعمل قاطنوها فى الحقول وجناين البرتقال والعنب والملاصقة لهم ومن بعدهم تأتى عزب أخرى وكفور ، بيوت من الطوب النيئ ، لا يزيد ارتفاعها عن طابقين ، كلها لها تلك الأبواب الخشبية ذات المزلاجات الضخمة والشبابيك المغروس بين حديها قضبان الحديد ، قليل من جدرانها طلى بدهان ..

معدية صغيرة أتخطاها ، على الجانب تسكن الساقية وبجوارها مربط البهائم ، أربط البقرة وابنها ، من الجانب أرفع غطاء القش ، وأحمل البرسيم أفرده امام رأسيهما ، أغطى المتبقى مجددا ، أحضر الفأس والمقطف من مضجعهما ، أحفر المربط ، انزع منه الروث ، أكومه فى جانب ، نستخدمه فيما بعد سماد للغيطان ، من على حافة الترعة أقطع الكتل الترابية الصلبة ، أفتتها جيدا ، أملأ بها المقطف ، أفرشها تحت أقدام البهائم ، أكرر الأمر حتى يُفرش المربط كاملا ، "الردم" من طمى الترعة ، تستخرجه الكراكات من باطن الترع وتضعه على الجسور عندما تأتى لعمليات التنظيف الدورية ، نتركه حتى يجف ويقسو ويصير صلدا ثم نستخدمه مجددا ، وعندما يختلط بروث البهائم وبولها ننظف المرابط والزرائب ونضع نتاجها جانبا حتى يتحول الى سماد ، نعيده الى الأرض مجددا وهكذا تتكرر دورته وحياته ، بعض الردم ينتج من تجريف الأرض لاعدادها لزراعة الأرز واكثر هذا يستخدم لردم وتغطية قواعد المبانى الحديثة .

أنزل إلى الحقل ، أدور على الحد حولها ، أجمع بعض " قرون " الفول ، فى ظل شجرة على حافة الترعة أجلس ، أتسلى بما جمعته ثم أقرأ فى لوحى ...

تأكل البهائم حتى تمتلئ بطونها ، تتشبع من الشمس ، تلتفت الى صغيرها ، تطمئن عليه ثم يغرقان فى نوم عميق ...

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

طيب اقول ايه ابدأ بجمال وصفك للطبيعة ولا لدقة وصفك للطريق ولا طريقة صناعة السماد الطبيعى ولا أتغزل فى طرح صباحك كله كاتبى الموهوب المبدع ...ما أجمل كلماتك ودقة وصفك وحلاوة سردك ومتعة تشبيهاتك ....تفوقت بكلماتك على الوصف نفسه ماشاء الله عليك الله أكبر