الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

لم نعد صغارا " 38 "

 

مسافة قصيرة ثم دوران وانعطاف أخر ومواصلة للسير ، مبانى الجونة على اليمين تقف على ناصية البحر الأحمر وتقتطع أجزاء منه ، يحف الطريق إليها لافتات اعلانية ضخمة ، نواصل السير حتى نصل الى كمين للشرطة تلته بوابة المغادرة وطريق بينه وبين البحر يمينا بقعة رملية وصخرية ويسارا الصحراء بتلالها ووهادها ، عدة نقاط للشرطة والاسعاف وأماكن خدمات الطريق الخاصة والعامة ورادارت لمراقبة السرعة .

زرقة البحر تسحبك معها الى حيث تغرق السماء مع المياه فى عناق أبدى ، أعنقة جبال تطل من فوق المياه كأنها سفن تسبح ، بوارج تسير محملة تعلوها رايات مختلفة ، عشب وحشائش شوكية ، حطام سيارات ، اطارات مستهلكة ، زجاجات مياه فارغة ، معلبات مهملة ، قطع خشبية ورماد نار ،  أوراق وفضلات من ملقيات المسافرين وسائقى الشاحنات .

الشمس فى الشتاء تطل خجلة ، تفتح عيناها فجأة فى كبد السماء ثم تغمضها بسرعة ، تأتى السحب عليها وتتكدس أمامها فتحجبها تماما ، الهواء القادم من نوافذ السيارة يغيب صوت المسجل فلا أسمع شيئا مما يقال ، أرفع الزجاج قليلا ثم أعاود فتحه مجددا فلست من محبى القيادة ونوافذ السيارة مغلقة ، أمر بجانب السيارات وتتخطانى غيرها ، كمين للمرور يشير الى البعض أن يتوقف وعندما أتى دورى نظر الى لوحة السيارة ثم أشار لى أن واصل سيرك  ، مرتفعات جبلية يتقدمها سهول ووديان ومدقات تقطعها السيارات للانتقال من هنا الى هنا دون الانتظار الى الدورانات الرسمية ، الصخور تتناثر ، الكثبان الرملية ، فضلات حيوانات ، وعظام متآكلة .

الجبال ترفع رؤوسها حتى تكاد تلامس السماء والسماء تقترب حتى تُقبل المياه والطريق يتلوى كثعبان هارب ، السماء تصفو فكأن السحب ولت و الهواء يرسل قبلات باردة ، أرى بوابة عالية أنعطف قبلها يسارا ثم أسلك الطريق يمينا صاعدا الى بداية طريق جديد ، محطة للوقود أقف عندها ، أنتظر السيارة التى أمامى حتى تنتهى ، تقودها فتاة ترتدى عوينات بإطارات كبيرة ، شعرها قصير متعرج ، تنتهى من الوقود فتتحرك الى الأمام ثم تركن السيارة وتترجل منها وتزلف الى داخل المحطة ، أزود السيارة بالوقود ، أترجل منها كى أريح قدمى قليلا ، أتناول شيئا من العصائر ثم أواصل السير ، بوابة جديدة للرسوم أدور حولها حتى أجد الطريق الذى أمر منه فكل الممرات كانت مغلقة باستثناء واحدا على أقصى اليسار ، أتخطى البوابة وانعطف يمينا فى الطريق الذى شق بين الجبال ، تلحقنى الفتاة ثم تتخطانى مسرعة ، البحر بالأسفل ، بعيدا هناك ، لا تحاول النظر حتى لا يصيبك الدوار ، استراحات للسيارات خالية من الخدمات هى فقط مساحة جانبيه متسعة تستطيع فيها الترجل من سيارتك قليلا والاطمئنان عليها وتبدل بنفسك أطارها ان كانت فى حاجة لذلك أو أن تنتظر حتى تبرد كليل ثم تزودها بالماء او الزيت وهكذا ...

النهار ينتهى والسماء اكتست بجمال أرجوانى بديع ، السيارات تزيد سرعتها والكل يتعجل تخطى هذه المسافة قبل أن يسقط علينا الليل لكن ارتفاع الطريق وعلوه يحد من سرعتك رغما عنك ثم يهوى بك أيضا رغما عنك ، فى وسط كل تلك الجبال والصخور والكثبان ترى لافتات عملاقة ومبانى رائعة ثم تعلن اللافتة عن مدينة من مدن الأثرياء التى نراها فى اعلانات القنوات يزفها إلينا المشاهير ، ومنطقة عمل تتسابق إليها الشاحنات العملاقة محملة وفارغة .

أواصل السير حتى تغرب الشمس وأنحرف إلى طريق أخر فييدركنى الليل عنده ، القيادة فى الليل ترهق نظرى وهذا الطريق خالى تمام من الانارة فى كل هذه المسافة ، أقود ببطئ وتبدأ  بعض المناطق الجديدة تولد من حولى .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

استاذ استاذ فى دقة الوصف .... ما شاء الله عليك كأنك ترسم خريطة تفصيليه من الكلمات لهذه الرحلة حقيقى مبدع موهوب موهوب موهوب