الاثنين، 13 سبتمبر 2021

لوحة

 

أغيب مع صوتها الناعم ، الدافئ ، يقطر منه سحر مبهج ، شفتاها رقيقتان كنسمة ، خدودها محمرة كسماء ، عيناها خجلاوان كقمر ، يزيدها حجابها جمالا ، تخرج الكلمات من ثغرها همسا ، تفوح كأنها عطرا ، تتأبط ذراعى ، تداعب برأسها كتفى ، تهمس فى أُذنى .... أحبك .

لوحة مثبتة على الجدران ، تضم هذه الوجه ، وقفت أمامها مشدوها ، تسمرت فى مكانى ، سمعت همسها ، تنفست عطرها وداعبتنى عيناها ، خلفها أغصان شجر ومن فوقها سماء صافية وشمس تنشر أشعتها خطوط متوازية تشق عناق الأغصان ...

كما فى الأفلام والروايات تمتطى جوادا أبيضا ، ترمى على الحافة ملابسها وتسبح فى البحيرة ، تداعب جروها ، تلهو مع رفيقاتها ، يشغلها الفتى صاحب العيون الزرقاء والشعر الشاحب صفرة المهذب يمينا والبذلة الأنيقة .... لا ... هذا يكون فى الأفلام والروايات فقط ان كانت الأحداث مكانها مزرعة فى نيوزلندا أو منتجعا فى ايطاليا أو حديقة غناء فى استراليا .

ربما ان كانت فى هولندا ستجدها مزارعة بسيطة تحلب البقر وتجلس القرفصاء بالسوق او تقعد بمؤخرتها على كرسى خشبى تصطف أمامها الأوعية التى تحوى الجبن والقشدة والألبان ..

ربما تراها ملاكا فى رداء أبيض ، تسهر على رعاية المرضى ، تخفف عنهم معاناتهم ، تستمع إلى أوجاعهم بإنصات أُم وتبكى لتألمهم ، تحقنهم فلا يشعرون متى غرست الحقنة فى شرايينهم ومتى نزعتها ، تطيب جراحهم ، مر الدواء يجدونه من يدها شهدا .

ربما معلمة ، تدرس الصغار فى المدارس ، يتعلقون بها وترتبط بهم ، تقابلهم بعناق وتودعم بعناق ، تلعب معهم ، يحبون المدرسة لأنها فيها ، وتغار منها امهاتهم ورغم ذلك كلهن يطلبن إلحاق أطفالهم بفصلها ...

ربما زوجة ، تهذب بيتها ، تصحو باكرا ، تغتسل وتمشط شعرها وتغرق جسدها بالطيب ، تُيقظ زوجها بقبلة ، تطعمه بيدها ، تجهز له ملابسه بعناية ، تختار له المناسب تماما ، تعلم منه أعمال اليوم التالى فتجهز له ملابسا تليق بذلك ، بذلة كاملة أو جينزا  أو قميصا أو سترة صيفية أو بالطو محشو بالفرو ....، تختار الحذاء الذى يناسب الزى ، تختار لكل وقت عطره ، تطبع قبلات على وجهه قبل أن يغادر وتسقيه بفمها شهدا فى فمه ، يطمئن أنها تحفظه فى غيابه ، تنتبه لأطفالهم وتشغل بتعليمهم وتربيتهم ، تتابع دروسهم وتراجع معلميهم ...

ربما تجدها صحفية ، تستمع لشكاوى الضعفاء وتنشر دموع المظلومين وتبكى حرقة للمحتاجين .

أو يليق بها أن تكون سفيرة للنوايا الحسنة ، تقضى كل الوقت بصحبة متضررى الحروب والأوبئة والفقر والمجاعات  ، تواجه العالم بحقيقته ، تضع بين عينيه بشاعة فعله وأثار جشعه وطمعه ، يحيطها الأطفال وتلتف حولها النسوة وحتى الحيوانات تطمئن بقربها ..

فجأة تجدها واقفة أمامك ، بشرية تماما من لحم ودم ، تنثر جمالها من حولها ، طلتها تخطف ، كأنها غادرت الاطار لتوها ، نفس الملابس ، نفس الملامح ، هو ذات الخجل ، لا تشعر بنفسك ، تمد يدك ...

عفوا ... هذه اللوحة ليست للبيع يا عزيزى ... إنها زوجتى ....

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

هذه اللوحة ليست للبيع ياعزيزى انها زوجتى ....تألقت تألقت تألقت فعلا وتفوقت فى تخيل جمال ما فى تلك اللوحة والله كأنها مجموعة لوحات كل منها تحكى قصة مختلفة ....بورك قلمك ما شاء الله ما شاء الله