الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

مقتنيات قديمة

 

وليمة اليوم التى اكتسبتها ، عدة أكياس بلاستيكية ، ألقيتها كلها بجوار المكتب ، اشتريتها من بائعى الأشياء القديمة ، تجد عندهم كل شئ ، تخبرك رائحته عن مدى قدمه ، المخطوطات ونسخ يدوية ، حفر على جلود وأحجار ، جرائد وصحف ، ألات موسيقية ، جرامافون ، خناجر وسيوف ، أنتيكات ، أحذة وملابس ، اصدارات دورية ، ثقافية وسياسية ، مهما تقدم العالم وارتقت وسائل التواصل فيه تبقى للخطابات ولرسائل البريد لذتها وعطرها الخاص ، لرسائل البريد طلة مختلفة ، كريمة بسخاء ، متعة لا يدركها إلا من جربها ولا ينبئك مثل خبير ...

أفرغ محتويات الشنط ، بعض الأوراق المهملة التى لا تربط بينها صلة ، كتيبات قديمة منزوع منها الغلاف وبعضها منزوع منه بعض الصفحات وبعضها مدون عليه بعض الملاحظات ، مذكرات مكتوبة باليد ، بعض الرسومات غير الممهورة بتوقيع ، أعداد محدودة من الصحف والاصدارات القديمة التى صدرت خلال الحملة الفرنسية ( جريدة بريد مصر " كورييه دوليجيت " – العشرية المصرية " لاديكاد ايجيبسيان ) ، وبعض ما صدر ابان حكم محمد على واسرته من بعده وحتى السنوات الخوالى " جورنال الخديو – وقائع مصر " الوقائع المصرية " – الشاشة المصرية التى كانت تصدر فى الاسكندرية بلغة فرنسية – الهلال - السلطنة – الجوائب – روزنامة الوقائع المصرية – صحيفة القطر المصرى – الجريدة العسكرية المصرية – وادى النيل – روضة الأخبار – مونيتور ايجيبسيان –روايات الجيب - الأهرام – العروة الوثقى – الزمان – مرآة الشرق – الفلاح – الهدى - المصور- روز اليوسف – المنبر – الاذاعة والتلفزيون – عالم المعرفة .....

شنط تحوى مجموعات من الخطابات والمكاتبات البريدية ، أفرغتها كلها أمامى دفعة واحدة على الأرض بعد أن أبعدت كل المقاعد والأشياء التى قد تعيقنى عن إتمام عملى ، أسرعت إلى المبطخ ، أعددت قهوتى ، وعلى عجل أخذتها وعدت إلى الغرفة ، أغلقت الأبواب وهيأت نفسى لما أنا مقبل عليه ، الآن خلوت بك ولابد لى من فك طلاسمك ...

بدأت تنظيم الخطابات محاولا الاسترشاد بما يظهر من التواريخ المطبوعة على أختامها ، أرتبها من الأقدم إلى الأحدث وأرقمها وأصفها فى كراتين صغيرة فى صفوف متوازية ، أفصل خطابات الأشخاص عن المكاتبات الرسمية ، أرتب الخطابات التى تخص كل منطقة وحدها من العناوين المدونة على كل خطاب لعلى أستطيع الربط بين شخوصها أثناء مطالعتها ، أندس بين مُرسلى الخطابات ، أجلس بجوارهم وهم يكتبون ، بعضهم يكتب على عجل وبعضهم يكتب والدمع يغرقه وبعضم يكتب أداء للواجب ، خطوطهم تفضحهم ، اعيش معهم مشاعرهم وأسرع كى أصل قبل ساعى البريد فأنتظره لدى المتلقى ، أجلس بجواره مثلما جلست مع الراسل ، أرى مشاعره ، أرقب رد فعله ، حتى الخطابات التى ضلت طريقها فلم يتسلمها أحد حتى وقعت فى يدى فى النهاية ، آن وقت قرائتها ، أتقمص حالة الراسل والمرسل إليه ، أفكر .. ، ماذا لو وصلت تلك الرسائل ، أشياء كثيرة كانت ستتغير ، وحقوق كانت ستصل إلى أصحابها ، أناس تعرف حقيقتهم ومظلومون تظهر برائتهم ، زيجات تمنع وزيجات تقام واخوة يؤلف بينهم وطالبى وظائف تحقق احلامهم ، ولكنه القدر ... لا يعبث ، له حكمة فى كل تدبير وتقدير .

أمى الغالية .. أبى العزيز

بعد سلامى وقبلاتى

أطمئنكم بأن صحتى تحسنت عن المرة الأخيرة التى راسلتكم فيها ، الطبيب يقول لى بأننى سأتمكن من مغادرة المشفى قريبا ، بقول أيضا بأننى سأحتاج بعض الوقت أتلقى فيه نوعا من العلاج الطبيعى كى أستطيع التحرك على قدماى ثانية ، أنا الأن أفضل ، الحمد لله ، استطيع أن أشعر بقدمى وأن أحرك أطرافى ، لا تتخيلى يا أمى مقدار الفرح والسعادة التى انتابتنى عندما بدأت أشعر بهما مجددا ، الحادثة كانت مروعة بحق ولم يخطر فى بالى أن أكون الناجى الوحيد منها ولكن كان ذلك بفضل دعواتك يا أمى وصلوات أبى ، أبى هل لازالت تحافظ على نزهتك الصباحية ، تقضى نفس الساعة مشيا على حافة البحيرة القريبة ، هل لازلت تقدم لأمى الوردة التى تقطفها كل صباح وكأنها تنبت خصيصا لكما ، كيف حال أخى سليم ، وأخواتى فريدة وعائشة وصفية ، لابد أنهن كبرن الآن وأصبحن على وشك الزواج ، كيف حال عمى وأبناؤه ، هل مازال ابنه مشاغبا كما كان ، وعمتى هل تحسنت صحتها ، وخالى يا أمى هل أعطاك حقك فى الميراث أم مازال مماطلا كعادته ؟ ، حتى لو لم يفعل .. لا تحزنى يا أمى ، عندما أعود سأعوضك عن كل شئ ..

ابنكم المحب

أطوى الورقة واعيدها إلى المظروف ، الكتابة كانت بخط متعرج ، تبدو عليه أثار التعب ، يتوجع حين يكتب ويتوجعون حين يقرأون وتسقط من أبواه العبرات ، أبحث فى باقى الأظرف عن رسائل لنفس الشخص ، صادرة منه أو له لكنى لا أجد ، تدور فى خاطرى الكثير من الأسئلة ، هل فعلا وقف على قدميه مجددا ، هل عاد إلى أمه وحقق لها وعده ، لو استسلمت للتساؤلات لانتهى الوقت ولم انتهى من انجاز اى شئ ، أحاول ان أخلع نفسى من أثاره وأضعه جانبا ، يخطفنى مظروف أخر ، تتحرك نحوه يدى رغما عنى ، يحمل توقيع أنثى ...

نينه الغالية ... صباحى الشهى ... لذتى التى لا تفارقنى عينها

أرسل إليك قبلاتى الحارة ، أطبعها على خدك  وجبينك ، لعلها تصف لك حجم اشتياقى إليك ، أشتهى حضنك ، والنوم على قدمك ، ويدك تمس شعرى ، الصغار شغلونى قليلا فتأخرت فى الكتابة إليك هذه المرة ، الصبيان شقاوتهم شديدة كما قلت لى ، لكن فريدة هادئة كـ طيف ، أحمل إليك محبة حسن ومودته ، كلفنى أن أبلغك تحيته الحارة وأمنياته بدوام الصحة والعافية ، الحياة هنا قاسية بقدر ما هى مدهشة ، الجميع يعمل ، الجميع يخرج ، الجميع يتكلم ، الجميع يسهر ثم يستسلمون للنوم دفعة واحدة ، وحشنى أكلك يا نينه ، نفسى فى صينية بطاطس من ايدك الحلوة ، سامحينى ن اعلم أن الوحدة ثقيلة لكنك تعلمين أننا كنا مضطرين للسفر ، وعدنى حسن بان نزورك قريبا ، كلنا لهفة إلى لقائك .

طفلتك

يا ويلى ، يبدو أننى فتحت على نفسى بابا لن أستطيع إغلاقه ، أطوى الورقة وأعيدها إلى المظروف ، وعلى عجل أصف باقى الخطابات فى عدة كراتين صغيرة على أن أعود إليها ثانية عندما تتخلص روحى من الأثار التى علقت بها ....



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

طيب اعلق بايه على الجمال دا .....الله الله الله ربنا يبارك فيك وفى كلماتك وفى مقتنياتك الحلوة قوى قوى قوى قوى دى الله على روائح الزمن الجميل الطيب ....بورك قلمك ما شاء الله قمة الابداع