الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

عشاء برفقة عائشة

 

مجموعة قصصية للدكتور محمد المنسى قنديل

مقتطفات منها /-

عشاء برفقة عائشة

اخفض صوتك ، هذا المطعم مثل المكتبة ، لا يجب التحدث فيه بصوت عالى ، الهمس يجعل الأمر أكثرر حميمية ، هذه هى الفكرة .

الشمعة التى بيننا متوهجة ولكنها لم تنقص ، طرفها المدبب مازال كما هو ، الخيط التى تنشب فيه النار لا يحترق ...

حالة طوارئ

كان الصمت سائدا حتى أن ذرات الهدوء تراكمت فوق بعضها ، الشارع الذى لم يكن يخلو من السيارات والشاحنات أصبح قفرا ، الريح خائرة وقطرات الماء التى كانت تتساقط من الصنابير قد توقفت ، حتى الثلاجة القديمة كفت عن الطنين .

شئ أخر كنت أكرهه فيه ، هو ذلك الغموض الذى يحيط به نفسه ، غموضا يجعله كئيبا مثل يوم ضبابى

كنت قد سمعت صوت اطلاق الرصاص بالفعل ، وسط هدأة الليل ورعبه وظلمته ، لحظتها خشيت الاقتراب حتى من النافذة أو اضاءة النور ، لحظتها تقرفصت فى إحدى أركان الغرفة وخبأت رأسى بين ركبتى ، شعرت بعد ذلك بالخجل ....

ذلك الوجه المسكين المشع الملئ بالدهشة والخوف والوجع والشوق المحض والوله والتوق ...

لماذا يجعل كل لحظاتى الشاردة تتجمع رغما عنى ، وداعات وآمال ضائعة وأحلام كلها مطفأة ، كأن فى بريق هاتين العينين شئ من بقايا الكون ، أخر النجوم قبل أن تخبو وآخر الشهب قبل أن تهوى ، أضواء تضيع ولكنها لا تتبدد ، تبحث عن حدقتين مثل هذه فتسكن فيها وتتحول الى بريق دافئ ، جارح وأسيان ، كأنه قد وضع خلاصة روحه فيها ....

المنزل على منحدر النهر

القمر مكتمل يفرد ضوءه على الزرع وهامات النخل واسطح البيوت – كل شئ ينبض بحياة مضيئة باردة .

تمتلئ الدروب بروائح البهائم واللبن الرايب والعرق وصابون الغسيل الرخيص .

الساحة مليئة بأكوام القش والنوارج والبقر الغافى والبشر الملتفين فى الأجولة .

مياه النهر دائما ما تكون غاضبة ، تحمل عروق الشجر والحيوانات النفقة والكثير من الغرقى ....

اجذب مقود الحمار وأنا ارتجف من البرد والخوف ، تضاءلت اصوات النهر والرياح والذئاب ولا يبقى إلا ذلك النباح المسعور ، كأن البيت كله ينتفض معه ...

أشم رائحة المنزل قبل أن أدخل ، مخمل عطن وهواء راكد مشبع بالغبار وافرازات سوس الخشب وتحلل الأطعمة وأنسجة الملابس ...

ترفع يدها بسرعة وتفتح ثوبها من أعلى ، يبدو صدرها فجأة ساطعا أمام عينى ، نهدان نافران للأمام ، متصلبان من الخوف والرغبة ، تتصلب عيناى على قمتيه الورديتين ..

يبدو القمر شديد الاقتراب من النهر ويبدو النهر شديد الدعة ، ويهب علينا هواء دافئ لا ندرى من اين يهب ثم يبدأ البيت فى الارتفاع من أسفل المنحدر ..

تميل على وتمس وجهى بشفتيها ، آخذها بين ذراعى ... ، يتشابك جسدانا ، شفتاها الباردتان الرفيعتان تتحولان الى الدفء والامتلاء ، تستكينان بين شفتى ، أعاود تقبيلها ، أسمع صوت الريح مختلطا بأنفاسها المتلاحقة وهى تتعلق برقبتى وتبحث عن منفذ تدخل منه الى جسدى وتختبئ بداخله ...

غابة بلقيس

كنت منهكا من شوارع المدينة التى جبتها عشرات المرات ، حفظت روائح الأرصفة فى الأحياء المختلفة وطيف الأضواء فى النوافذ وتشكيلات السحب فى الليل ونازعت الكلاب الضالة نفس الطعام ...

ليدى هوم

أعبر جسرا فوق نهر عطن ، تنحدر الشمس فوق المعابد المدببة الأطراف ، وتلمع السقوف التى يزين قرميدها الأحمر ثعابين ذهبية اللون ، تماثيل بوذا الصغيرة عند كل ناصية ...

لم يبق أمامهم سوى تلك الأرض السبخة ، مستنقع من البحيرات الراكدة والأنهار المتشعبة ليس بعدها إلا البحر الأجاج ، أرض لا يريدها احد ، لا تنمو فيها غير أعشاب السافانا وأشجار العوسج ، ولا يقيم بها إلا الثعابين وبنات آوى ...

لا تحزن من أجلى يا صديق ، على كل واحد منا أن يرضى بالحياة التى توهب له ، ربما كان فيها بعضا من الشقاء والمهانة ولكنى قمت فيها بعمل طيب ....

الحب يخفت والروح تتلاشى وكل صيرورة هى حياة جديدة ، حتى الروح ليست دائمة ، كل شئ هو ائتلاف زمنى مؤقت ...

تتبدد السحب وتنفرط الطيور ولا تظهر زرقة البحر ، نواصل الارتفاع حتى تتسلل قطعة من الغيوم الى داخل السيارة ، تتجول بين الرؤوس مثل حلم ضائع ...

زبيدة

أتوسل إلى الرجل الذى يتوسل إلى ، أرى على وجهه تجاعيد وجه أبى ، ونظرة الجوع التى أعرفها حين لا يفى الزرع بحصاده وحين يغدر بنا النهر وتخذلنا البذور ، تمتد عروق الطين فى مسرى الدم فيختلط لحمهم بلحمى ، عاريا ومهانا ولا نجد من يستره .



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

ياالله ....ما هذه الروعة جميل جميل جميل بل ما أجمله أسلوب وكلمات ووصف وترتيب حتى روائح كل مقتطف من حدث كأنى أشمها ...كم يبدو جميلا عشاء برفقة عائشة كم هو رائع فعلا د. محمدالمنسى قنديل