الخميس، 9 سبتمبر 2021

وليلة أخرى

 

الليلة الوضع مختلف ، السماء خالية تماما حتى النجمة الوحيدة البعيدة غادرت أيضا ، السحب هرعت إلى أسرتها ، القمر والنجوم اختفوا خلف أسراب رمادية ، الهواء قدم باكرا ، تتمايل الستائر وأغصان الشجر ، نفس المصابيح موقدة ، السيارات نائمة فى أماكنها ، إحداهن ربما شعرت بالبرد قليلا فتدثرت بلحافها ، مذاق الشاى يزداد لذة ، كل شربة تزيح أمامها شيئا من أثار الصداع ، سعف النخيل يتمايل راقصا ..

عيناها صافيتان هادئتان ، صوتها دافئ ، خجلها مُربِك ، تنظر إلى فتذوب ضلوعى ، وتحمر وجنتى وتجرى الدماء فى عروقى ويسيل العرق على جبهتى وتسمع ازيزا لنبضات قلبى ..

شفتاها شهيتان فتُؤكل ، يخرج من فمها رحيق يُمتص ، عسلها يُسكِر ، سحرها آخاذ ، ودود تشتهى قربها ، تقترب فتخشى لهيبها ، ناعمة كـ أفعى ، قوية كـ لبؤة ، وفية كـ ذئب ، غامضة كـ سر ..

الشارع الليلة نشطا ، خطوات كثيرة ، أطفال يعبون بدراجاتهم ، تعلو صيحاتهم ورنات كثيرة تطرق الهواتف ، وأبواب لا تكف عن الارتطام وشرفات خالية .

باب يفتح فيخرج منه شاب يرتدى شورتا يصل الى ركبته وفانلة منزوعة الأذرع ، يجذب خرطوما بيده ، يثبته بصنوبر الماء ثم يفتحه فتنتفخ جنبات الخرطوم ثم يقفز الماء يعانق الشجار والشجيرات والعشب فتفوح رائحته تعانق رائحة الليل ، ثم ينثر المياه أمام بيته ، يرى بعض المارين فينتظر ثم يواصل بعد أن يتخطوا بيته ....

البيوت ناعسة وأكثرها نائم ، العتمة تغلف واجهاتها ، يأتى الليل فتنزع عباءة النهار على عجل ، ثم تبدأ فى رحلة الخمول حتى تتوغل إلى أقصاها ، متلاصقة يحمى بعضها بعضا ، متقابلة يرقب بعضها بعضا .

المساحة التى تصطف فيها السيارات كانت قريبا مروجا خضراء ، أشجارا وشجيرات وعشبا منسقة ومتناسقة ، فل وياسمين وريحان ، كانت تلامسها حبات الندى فتملأ المكان بهجة ثم أهملت فحزنت فذبلت وافترستها الزواحف وغطتها الأتربة وأفات البشر ، شاخت وذبلت فتساقطت أوراقها ، كـ حالى بدونك ، هش لا أقوى على الحركة ، ضال لا أعرف وجهتى ، حزين يئن قلبى بحرقة ، شارد يظن الناس بى جنون ....

شفتاك ليل ، مكتنزتان كـ وجع ، شهيتان كـ حلوى ، معذبتان كـ وطن ، فائرتان كـ بركان ، جامحتان كـ ثورة .

عيناك مخيفتان كـ صحراء ، غامضتان كـ عدو ، هادئتان كـ بحيرة ، لا معتان كـ نجمة ، غاضبتان كـ ثورة .

2 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

كالعادة ولكن هذه المرة تفوقت كلماتك على حدود ليلتك ....ليلة قد تبدو عادية ولكنها تحمل رسائل من الأهات عديدة ....وصفك فعلا عدى اى جمال لاى وصف ...بوركت وبورك قلمك الرائع

Asmaa Latif يقول...

وكأنك رسمتها بالفعل الليلة الوضع مختلف فاللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الارض ....اسعد الله كل لياليك أستاذى الفاضل وكاتبى الأول والمميز الموهوب دائما وابدا