الأحد، 19 سبتمبر 2021

وقت مستقطع

 

أجرى من هنا لهناك ، أسابق الزمن ، أشياء تتكدس فوق رأسى ، أكوام من المسئوليات ، أعمال كثيرة مطالب بإنجازها فى وقت قصير ، إلتزامات كثيرة واجبة الوفاء قريبا ، الصداع يفتك برأسى ، أغادر الفراش ، أنُهى الشياء المعتادة التى تفعل كل صباح غير أنى لا أفطر ، أسرع إلى وجهتى ، سبقنى الكثير ، أصعد الى موظف الأمن ، يشير الى غرفة لها باب زجاجى ، موظف أخر يسجل الأسماء بخط ردئ ، لم أستطع قراءة اسمى عندما سجله وتوقعت أن ينادى على بإسم خاطئ ، عرفت منه فقط رقمى ، كراسى متفرقة صفت أمام المبنى فى هيئة غير منتظم ، أقيمت من فوقها مظلة ، تناثر عليها بعض الأشخاص ، أختار مفعدا فى المقدمة ، أقضى عليه وقت الانتظار ، أجرى العديد من المكالمات ، وقراءة سريعة ، تمر ساعة أو يجاوزها ، ينادى موظف أخر اسمى بشكل خاطئ كما توقعت ، يشير إلى أن احصل على رقم من موظف أخر، أنتظر مرة أخرى ، صالة كبيرة يبردها التكييف ، الموسيقى تعج ، معزوفات روتينية مكررة ، الناس مجرد أرقام ، صوت مذيعة رتيب ، ينادى أرقاما ويشير الى أرقام ، ولافتات ضوئية تعلن الأرقام ، اسمك وصفتك وكنيتك لا تعنى شيئا ، مجرد رقم ، يوزع على المكاتب ، انذارجرس يعلو باستمرار ، أصوات الناس تتداخل ، الكاميرات تلتقط صورا لكل شئ ، من بينها قطعا صورتى وأنا أكتب الآن ، مقعد فارغ يفصل بين كل شخص وأخر ، اجراءات احترازية ، يترك هذا المقعد خاليا حفاظا على المسافة الآمنة ، هكذا كتب فى الملصقات على تلك المقاعد يحفها لوجو الجهة ، كالعادة ليس دوما يلتزم الناس بتلك القواعد ، يسعدهم دوما تجاهل الاجراءات وتجاوز القوانين .

يحين دورى ، أتوجه الى حيث رقمى ، أحداهن سبقتنى وجلست على المقعد ، أنتظر بتعجب ، فيخبرها الموظف أن تنتظر بعض الوقت ، تغادر فأجلس فى دورى ، أعطيه الرقم ، أخبره بالمعاملة التى أريد اجرائها ، يطلب بعض المستندات ، أقدمه له وأوقع على بعض الأوراق ، ثم يطلب منى الانتظار مجددا لبعض الوقت " عشر دقائق او ربع ساعة " حتى ينتهى من التوقيعات اللازمة ثم ينادى على مجددا ليسلمنى إخطارا بتنفيذ المعاملة .. هكذا قال ولم يفعل بعد ..

المكان يعج بالناس ، كل مشغول فى شأنه ، نساء ورجال ، شباب وشيوخ ، النساء تسعد بصحبة أطفالها معها لتلك الأماكن ، أسبابها كثيرة أو هى هكذا دوما ، ولا يسعنا سردها هنا وإلا لنفدت الكتب وجفت الأقلام وانتهت الأوراق وصرخت الصحف دون أن نتنهى من سرد تلك الأسباب ، عندما ترغب المرأة فى فعل شئ تفعله ، سواء وافقت أو .... وافقت والأفضل أن تتركها تفعل لسلامتك وسلامة من حولك ، حفظ النفس واجب دينى كما تعلم ، محجبات ومسدلات شعرهن على أعناقهن ، لبس متسع وألبسة إلتصقت بالأجساد كأنها مادة طلاء ، هواتف كثيرة ترن مضطربة .

أضع حاجاتى على المقعد المجاور ، حافظة بلاستيكية تحوى أوراقى  ، هاتفى ، محفظة جلدية سوداء بها بطاقات التعريف الخاصة بى ، عملات نقدية ، رخص القيادة ، كمامة لوقت الحاجة ، أصص الأشجار تفصل بين المقاعد ومثلها تفعل الأعمدة ، ألوان الجدران هادئة ، ثبت على جوانب منها شاشات للعرض ، أتجول فى وسائل التواصل ، واتساب ، فيس بوك ، تليجرام ، انستغرام ...

أتابع رسائل العمل ، اقرأ بعض مما كُتب ، الكثير متداول ومكرر يجعلنى أمل ، أشياء كثيرة منزعة القيمة تتداول ، هكذا الناس أو أكثرهم تشغلهم توافه الأشياء ، الحماقات دوما سوقها رائج والطلب عليها متزايد ، فيديوها تيك توك ، اعلانات شقق ووحدات سكنية وشاليهات ومنتجعات ومقابر أيضا ، عروض مصايف واسترخاء ، عروض مساج وتدليك ، مدربات محترفات ، ملابس ومساحيق تجميل ، عطور ومحفزات ومقويات جنسية ...

الوقت فى الانتظار دوما يمر ثقيلا ، اوشكت الساعة الثانية أن تنتهى أيضا ، طفل صغير يلهو فى المساحات الفارغة ، تلفت انتباهه أصص الشجيرات ، يقترب منها وينزع بعض الأوراق ثم يعود للخلف ثم يكر عليها ثانية وثالثة حتى انتبهت له أمه ، مالك ... تعالى هنا ، أدركت أمه النبتة قبل أن تدرك حتفها ، ينادى على الموظف باسمى هذه المرة ، أتوجه نحوه ، توقيعات أخرى مجددا ، يعطينى نسختى ، اشكره وأغادر .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

أبدعت فى وصفك الروتين الحكومى اليومى بطريقه رائعه رائعه ....وكانك تصف احوال كل المواطنين الذين يقصدون مثل هذه الأماكن ....حقيقى وقت مستقطع ....سلم الله قلمك