الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

وبور الجاز

 

ألحم بلاستيك ، أغير فونية ، بعمر البوابير

فى نفس المكان وبجوار شجرة قديمة ، اعتقد أنها أقدم ما تنفس بهذه المنطقة ، يجلس نفس الرجل ، يستند إلى جدار من طين ، يقدم مع مطلع النهار" مرات قليلة كان يأتى بعد العصر " ، ثيابه باليه ، بها ثقوب كثيرة من تطاير الشرر وسقوط نيران اللحام ، يداه سودوان من أثار الزيوت والشحوم ودخان وبار  "بوابير"  الجاز .

يفرد قطعة قماش بالية على الأرض ، يصف أمامها حاجاته ، يشعل وابوره فيخرج اللهب أزرقا أو قرمزيا او برتقاليا أو أحمر، يعلو صوت الوبور ، يصف عليه سكاكينها المستخدمة فى اللحام ، يمر على الحوارى ويطرق البيوت وينادى " بصلح بوابير الجاز ... " ، يعلم الناس مواعيده فيجهزون له وبارهم المعطلة والتى تحتاج الى اصلاح ، يصلح كل ما يخص البوابير وفى اوقات متقدمة أصبح يحضر واحدا منها جديدا لبيعه ، يقوم أيضا بلحام أى ثقب فى الحديد أو النحاس أو الألمونيوم وأيضا لحام كل الأشياء البلاستيكية " أحذية ، مناضد ، كراسى ، طبالى ، أوانى بلاستيكية ...." ، يذهب بما جمعه من البيوت ويصفه حوله ويجلس ليبدأ عمله ، يصف حوله زجاجات بلاستيكية قديمة بها الزيوت والشحوم التى يستخدمها وقطع من البلاستيك يستعين بها فى أعمال اللحام وأعواد من الحديد والقصدير لأغراض اللحام أيضا .

حقيبة عتيقة ، يخرج منها ابر التسليك ، فونى البوابير ، أرجل ومفاتيح وكل ما هو فى حاجة إليه ومعه أيضا بقايا بوابير قديمة يستبدل منها قطع الغيار التى لا يجدها متاحة عنده جديدة .

يمسك الوابور بيده ، يقربه إلى وجهه ، يضغط على عينه بشدة وهو يفحص البابور ليرى موضع اللحام ، أكثر المواضع التى تحتاج الى لحام تكون بجوار الكباس او ثقب التزود بالكيروسين أو بجوار أعلى الوابور مالم يكن هناك ثقبا بالخزان ونادرا ما يحدث ، يغير المكبس ويسلك الفونى بالابر ما لم تكن بحاجة الى تغيير .

لا أعلم إن كنتم أدركتم وبور الجاز ام لا ، فإنه الآن أصبح يعد من التحف ويعدونه قطعا فنية فى بيوت بعينها ، على كل الأتى وصف مبسط للوبور الذى عايشته بعيدا عن تلك التحف  .

خزان نحاسى على شكل اسطوانى ، به فتحتان جانبيتان وفتحة علوية ، الفتحات الجانبية تستخدم احداها لتفرغة وتعبئة الجاز وبها مفتاح لتفريغ ضغط الهواء كليا أو جزئيا ويستخدم ايضا لايقاف تشغيل الوبور ، والفتحة الثانية بها الكباس " مكبس الهواء " الذى يستخدم لضغط ودفع الهواء الى داخل الخزان فيزداد الضغط الداخلى فيخرج اللهب من الفتحة العلوية المثبت عليها ماكينة الاشتعال وهى عبارة عن ثلاث مواسير من النحاس الاحمر بدايتها متصلة بالفتحة العلوية للخزان وتلتقى فى نهايتها بنقطة واحدة حيث يتم تركيب الفونية وهى مكعب نحاسى به ثقب صغير دقيق يتجه للأعلى لنفث بخار الكيروسين ومن ثم يشتعل البابور ، يقف الوابور على ثلاثة أرجل حديدية وأحيانا اثنتين ممتدة أفقيا أعلى الموقد وتستخدم أيضا لحمل الأنية المستخدمة بالطهى وقد تدعم بحمالة حديدية منفصلة لحمل الأنية الأكثر ثقلا ، كل أجزاء الوبور متصلة ببعضها بلحام من القصدير.

ما يتقاضاه الرجل قروش قليلة لم تصل الى الجنيهات الا فى السنوات التى انقرضت معها هذه الحرفة تقريبا فالبيوت اليوم خلت من وبار الجاز ولم يعد هناك من من يفكر فى لحام أشيائه البلاستيكية والنحاس أصبح ذهبا ..

كيس به بعض السكر ومثله به تلقيمات من الشاى وكوب زجاجى مشطوف من مقدمته وكنكة منزوعة اليد ومستبدلة بسلك حديدى ، أرغفة خبز فلاحى وقطعة جبنة قديمة يتسابق الدود على التهامها ويسبح فى بركة المش المحيطة بها ، رائحتها نفاذة تصطدم من يقترب ان كان من الكارهين لهذه الروائح مثلى وتجذب من يحبها وهم لو تعلمون كثير ، يلتهم الرجل افطاره بيدين راضيتين ، لا يعبأ بما علا يداه من أثار الدخان ولا ما إلتصق بهما من رائحته وتنزل اللقيمات الى بطنه فيتجشأ ويغرقها بشربة ماء من الكوز البلاستيكى الذى لا يختلف عن كوب الشاى سوى فى اللحامات الكثيرة الظاهرة فيه ، يبتسم للمارة ويحمد الله ، فى الأيام الأخرى يمر على الأسواق بالبلاد المحيطة ينادى بكلماته المعتادة

ألحم بلاستيك ، أغير فونية ، أغير كباس ، بعمر البوابييييييييييييير ....



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

هههههههههه 😅 بعمر بوابير .....بصراحه رائع ايه الوصف الدقيق للوبور دا رهيب ما شاء الله روعة وصف فوق الوصف والله ما شاء الله فنان وموهوب زادك الله من علمه وفضله