الأربعاء، 15 سبتمبر 2021

إفاقة

 

السحب تتناثر كـبقع بيضاء ، تترك بعض الفراغات كى لا تصطدم ببعضها ، تروح وتجيئ سابحة فى نفس المساحة من الفضاء ، تمر فتٌخلف من ورائها مساحة رمادية ، ما تلبث أن تبيض حين تعاودها ، النسائم تهب مختالة ، قدوم من يعرف حجم شوق المنتظرين لوصوله .

يتوغل الليل ، تثقل النسائم ، يعلو نباح الكلاب وتخفت الأضواء وتخلو الشوارع من المارة وتبقى السيارات والبيوت والأشجار فى سبات عميق .

أغوص مع كتبى ، اتنقل بين الصفحات ، حرف عطف بين حبيبين ، مبتدأ لحياة تولد ، وخاتمة لجهد وتعب ، إشارة لكل منتظر ، وضبطا لكل قافية .

كـ طيف يمر بخاطرك ، وفكرة تتصيدة ، وفائدة تقتنصها قبل أن تنفلت ، وغنيمة انتزعتها بحرب ، ووثاقا قوى العرى وحبل متين .

معلق فى سقف من قدمى ، جسدى ينز دما ، وكل موضع من بدنى فيه وجع مغاير ، كل عضلة فى جسدى دب بينها وبين اخواتها خصام ، بجوارى أحدهم مقيد من عنقه بسلسلة حديدية مثبتة بالحائط ، وأخر مكبلة يديه ، قالوا أنهم أمسكوا بنا أثناء تعليق مجلة حائط قامت على أثرها مظاهرة طلابية فألقوا القبض علينا باعتبارنا المحرضين ، غموا أعيننا فلا نعلم مكان السجن الذى نحن فيه ، خلعوا عنا ملابسنا كلها ، جعلونا ندور أمامهم يمينا ويسارا ، بدأوا بأكبرنا سنا وأكثرنا شهرة وأقدمنا فى العمل ، نقلونا فى عربات مصفحة ، كنا كحيوانات مكدسة فوق بعضها ، العربات تترنح على الطريق متقافزة كأننا نسير فى طريق وعر ، يعلو صوت محركها وتعلو حرارتنا ، ينقلوننا من مكان الى مكان ، يلقوا إلينا بسترة سيئة ، نقضى حاجتنا أمام بعضنا فى جردل وضعناه فى إحدى الزوايا وحاولنا تغطيته كى تقل الرائحة ، السجائر تٌهرب ، الكتب ممنوعة ، التريض ممنوع ، جرعات متتالية من التعذيب أفقد على أثرها وعيى .

أجلس بوسط صحن واسع ، أطالع الزخارف ، سيوف معلقة ، نقوش فى الجدران ، اعمدة ذهبية ، رؤوس غزلان ، رماح ودروع ، أنتبه لملابسى لا تشبه ملابسى ، أسمع صوت أقدام مختلطا بالكلمات ، تدخل جماعة على ، يلقون التحية ويجلسون حولى ، لقد انتهينا من تجهيز كل شئ كما أمرت ، رتبنا مع الخدم والجاريات ودفعنا للتى قلت لنا عليها ببزخ ، عندما يغرق السلطان فى ملذاته تكون ساعته قد حانت ، نهجم عليه دفعة واحدة ونخلص العباد من شره ، الحرس نراقبهم جيدا وأكثرهم معنا ومن حاول المقاومة فنفسه وما سولت له ، تأتى الساعة ويبدأ الهجوم وأتلقى ضربة من الخلف على رأسى أفقد على أثرها وعيى .

أنتبه على اصوات لا أفهمها ، ينز من جسدى العرق ، أرتدى جينزا وقميصا مقطع ، ونظارة ذات اطار كبير سقطت إحدى عدستيها ، فى قدمى حذاء جلدى عالى الرقبة يناسب الغابة التى تحيط بى ، أشعر بالوجع ، أجد دماء حولى ، جذع شجرة يخترق جانبى ، شجرة تظللنى ، عشب يحيط بى ، زواحف تتحرك ، ألمح جماعة يتسللون ، ملابس غريبة تشبه تلك التى شاهدتها فى الأفلام ، تلمع عيونهم وسط الظلمة كأنها تضئ ، أحاول التماسك ، ثم فجأة يد تكتم أنفاسى من الخلف وتضغط على عنقى ...

أغلق الكتاب وألملم الأوراق وأغلق الحقيبة عليهم ، أقفز من السيارة التى طلبت من سائقها أن ينزلنى على الجانب فأكتفى بتهدئة سرعته ، أنظر للامام وأقفز فيزيد سرعته حتى كدت أقع على وجهى ، أتماسك ، أعدل هندامى ، أعبر الطريق متعجلا ، فتاة فى الجهة المقابلة ترتدى زيا ضيقا يصف كل شئ وسترة تكشف أعلاها وشعرها يتدلى الى منتصف ظهرها ، يقترب ناحيتها فتيان يركبان دراجة نارية ، يلقون بعض الكلمات التى لا أتبينها ، يجذبون حقيبتها فتتمسك بها فيسرعون فتقع فى الأرض ومازالت ممسكة بحقيبتها ، اسرع نحوها دون أن أنتبه وفجأة ...

أسمع تغريد الطيور ، تتسلل أشعة الشمس متسربة من فتحات الشباك مخترقة للستائر ، يعلو صوت المنبه يعلن موعد الاستيقاظ ....

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

جميله جميله جميله الله والله .....ايه الجمال دا والله انا تخيلت للحظه أنك بتتكلم عن شخص معين لحد ما عرفت انهم ابطال فى كتابك وفى الاخر طلعت بتحلم هههههههههه والله حلوة قوى ....افاقه فعلا أبدعت حتى فى اختيار العنوان ....الله يفتح عليك بجد