الثلاثاء، 7 سبتمبر 2021

هذه ليلتى

 

الليل ، الهدوء ، السكينة و السكون ، السماء خالية تماما ، أقلب وجهى فيها ألمح نجمة وحيدة بعيدة ، تومض ويخفت ضوءها ، أسمع صياح ديك ، شجرتان أولاهما فى اليمين والأخرى عن اليسار وسط مساحة خالية تصطف من حولهما السيارات ، تركن سيدة سيارتها ، تترجل منها هى وأولادها ، بعد قليل أسمع صوتا جماعيا يعلو ، سنة حلوة يا .... سنة حلوة يا جميل ، يتبعه تصفيقات وصوت غناءهم مجتمعين ، يمر اثنان ، رجل وامرأة يتحدثان سويا ، يسعون بخطوات سريعة ، يحاول أن يبطئ الرجل من خطواته لأن أنفاس زوجته تعلو خلفه ، بعض المصابيح مضاءة فى الشرفات ، ضجيج إغلاق أبواب السيارات ، الطريق الرئيسى قريبا من هنا لكنه فى الليل هادئ ، تمر عليه بين الفينة والفينة بعض العربات والدراجات البخارية ، يلهو الأطفال بألعابهم ، فرغوا من إلحاح أمهم عليهم للانتهاء من واجباتهم أولا قبل النوم ، فالنوم يأتى دوما والجوع والتعب والعطش كلما كان هناك واجبا لابد من إنجازه ، أمسكت هاتفها وشردت مع عالمها ، أكواب الشاى باللبن كما هى تائهة وسط كتبهم وأقلامهم ، تصرخ فيهم ليشربوها قبل أن تصير باردة ، مكعبات ملقاة فى كل مكان ، أقلام ألوان ، أحجار شطرنج ، كرتون السهرة انتهى ، يمسكون الهاتف يشاهدون اليوتيوب ، المطبخ يئن من الأوانى التى تركت دون غسيل .

يترجلون من السيارة وصفارات انذارها تعلن إغلاقها ، اصطكاك الأبواب الحديدة يعلو ، تقف فى الشرفة تروح وتجئ ، تمسح حبال الغسيل ، ثم تبدأ فى نشر الثياب ، تتساقط منها بقايا المياه التى ظنت أنها نجت من العصر .

تجذب ستارة الشرفة ، تطفئ الأنوار فيها ، ستارة واحدة مجزئة الى قطع متساوية متجاورة ، تفرق بين شطرين ، تلتفت نحوى ، تلمس بيدها شعرها ثم تطلق صراحه فيتناثر حول وجهها ، أسود كماء محيط ، ترفع كوبا بيمينها ، ترتشف بعضا منه ...

يعلو صوتها من هناك ، يبدو أنها فى حديث مع زوجها ، هكذا اعتدتها ، دوما فى شجار ودوما لا أسمع للزوج صوت ، فقط أراه ينزل مسرعا ، يركب سيارته ويغادر ، مرة واحدة سمعت صوتا يعلو فوق صوتها ويرد لها الصاع صاعين ، عرفت أنه ابنها ....

نسائم الليل خفيفة ، تتوغل خفية فتتحرش بأوراق الشجر وأغصانه ، كل البيوت تحفظ عاداتها ، من اعتاد اشعال المصابيح لنثر الضى يفعل ، ومن اعتاد اغلاق الشرفات والنوافذ يفعل ، ومن اعتاد اختلاس النظرات يفعل .

يقف فى شرفته ، يرتدى ملابسه الداخلية البيضاء ، يشعل سيجارته ويلقى بصدره على سور الشرفة الحديدى فتتساقط الأجزاء المحترقه وأعقاب سجائره على الغسيل المنشور لتوه ..

سيارة قديمة ، ألمانية الصنع ، يبدو أنها أنتجت فى أربعينات القرن الماضى ، سوداء تغطيها الأتربة ، يهدر موتورها بقوة ، يحاول الفتى تشغيلها ، تحتاج لعدة دقائق ، يخرج بها على فترات متباعدة ، يحاول تشغيلها للمحافظة على بطاريتها وعلى موتورها ومكوناتها من العطب ، نعم السيارات يصيبها العطب أيضا كذلك كل ما يترك دون حركة يعطب أيضا ...

بكاء رضيع يعلو ، يبحث عن أمه لتلقمه ثديها ، شدة الصوت تدل على الجوع ، أو تدل على وعكة بالبطن وربما يحتاج لتغيير حفاضته وربما يرغب فى النوم ، الأمهات والأطباء يستطيعون معرفة السبب من نوع البكاء ودرجته لكنى بالطبع لا أعرف ...

طرقات فى الأعلى ، يبدو أن جارى يحاول تحريك شيئا من أثاث شقته كعادته فى الليل ، يجذب باب الشرفة بقوة ، اسمع صوت ارتطام الأبواب ، تهتز بقايا زينة رمضان المعلقة فى الشرفات ...

تخرج إلى الشرفة ، تمسك بهاتفها ، تترك شعرها معكوصا من الخلف ، ترتدى قميصا يكشف ذراعاها ومنابت صدرها ، تنحنى للأمام فيطل أكثره ، تعتدل بعد وقت ، تلتف وتمشى مختالة يتصاعد دخان من فمها  ، الهواء بدت رسله  ، النسائم تداعب الخد بلطف والنجمة مازالت تومض وحيدة وصوت يعلو ...هذه ليلتى .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

هذه ليلتى.... والله كأنها مجموعة قصصية....ما أجمل وصفك لليل وهدوئه ....كم أحداث وكأنه مسرح كل شخص يقوم فيه بدوره المعهود له ....والله ما أروعك بورك قلمك ما شاء الله