الأحد، 12 سبتمبر 2021

من سيرالطيبين

 

يا " أبا " الشغل مبقاش زى الأول ومبقاش حد بينقل حاجة على الجمال ، فى كام عربجى فى البلد دلوقتى غير اللى جابوا عربيات ربع نقل ونص نقل ، طول النهار أنقل للناس الحطب وأودى وأجيب وأشيل وأحط وكل دا عشان نص ريال وقلت الحمد لله فضل ونعمة بس يوم شغل وعشرة لا ، وواحد يدفع وعشرة لا وبقى عندى كوم لحم فى رقبتى " 3 عيال " كل يوم بيكبروا والحمل معهم بيكبر ، فى واحد ورانى اعلان فى جورنال بيقول أن فى شركة كبيرة طالبة ناس من المتعلمين وغير المتعلمين ، هيخدوهم يعلموهم ويدربوهم ويعينوهم فى الشركة فى مواقع شغلهم ، بس الشغل فى مصر يا أبا .... وهتسيبنا يا أبنى ... البركة فى أخويا يا أبا وفى البنات وأنا هنزل لكم كل أسبوع يا أبا .... وماله يا ابنى ربنا يرزقك .

فى احتفالات أكتوبر لعام 1981 م أغتيل الرئيس السادات مما أدى إلى حالة من الفوضى والقرارات العنيفة ثم اعلان حالة الطوارئ وبدء تجهيز نائبه ليكون رئيسا للبلاد والسعى نحو ما يسمى بالجماعات الارهابية المتطرفه ومحاولة تثبيت عرى الحكم للرئيس الجديد ، الأوضاع فى البلاد مشتعلة ولقمة العيش تطحن الجميع وكان السادات يقول دوما من لم يصبح ثريا فى عصرى فلن يتمكن من ذلك مطلقا نظرا لسياسة الانفتاح الاقتصادى التى كان ينتهجها ، الفلاحون فى القرى حالهم لا يخفى على أحد وخاصة الأجراء منهم الذين لا يمتلكون أى شبر من الأرض ، كل ما عندهم هى صحتهم التى أغناهم الله بها واستعانوا بها على العمل بالأجرة لدى المزارعين كى يكتسبوا أقوات يومهم .

تكبر شركة المقاولون العرب التى أنشئت على يد المهندس عثمان أحمد عثمان ، وتتوسع يوما بعد يوم ويسند إليها اقامة وتشييد المشروعات الكبرى فى القطاعات المختلفة ونظرا لخطط التوسع فى الشركة فقد أعلنت حاجتها لتدريب الألاف من الشباب وتعيينهم بالعمل فى مواقعها على أن يتم التدريب فى مركزها بمدينة نصر ..

شهور التدريب على أعمال التشييد والبناء بكل مراحله مرت ، دربونا على القيام بكل الأعمال واختاروا منا من سيكون عاملا ومن سيكون " صنايعيا " من الذين أجادوا العمل وكنت واحدا منهم وتم تثبيتى فى الشركة وأصبحت موظفا بالمقاولون العرب ..

الأجر الشهرى بدأ بثلاث جنيهات ، أدفع منه ايجارا للغرفة التى أقيم فيها ومنهم الأكل والشرب ونفقات الانتقالات وأرسل الباقى للعائلة للانفاق على الزوجة والأولاد ، أبحث عن أى عمل أستطيع القيام به وقت الفراغ لكن الحقيقة أنه لا يوجد اصلا وقت فراغ ، أمشى على قدمى مسافات طوال حتى أصل الى مقر العمل بالجبل الأصفر وكانت مدينة نصر فى هذه الفترة خالية خاوية لا تكاد تمر فيها السيارات ، فى عملنا يتم نقل من موقع لأخر وهكذا ، استطعت ادخار بعض الجنيهات اشتريت بها دراجة " نصر 28 " كى ترحم قدمى من عناء المسير وتوفر لى بعض الوقت ، ألتقى مهندسا من بلدة قريبة لى فأتعرف إليه وعندما تتوطد علاقتنا أسأله أن يساعدنى فى الانتقال الى فرع الشركة بمحافظتنا كى أكون بالقرب من العائلة ، سنوات حتى يتم الأمر ويتحقق أمر النقل ، بعض السنوات فى طنطا وبعضها فى بنها وبعضها فى المواقع الجديدة بمراكز ومدن محافظتك وحتى قراها ، أعمل معهم فى مشروعات الانشاءات ، الجامعات والانشاءات الحكومية ، محطات المياه ومحطات الصرف الصحى ، المدن الجامعية ... أترقى فى الدرجات الوظيفية ولازلت أحافظ على ابتسامتى ، على الرضا البادى على ملامحى ، فضل ربنا علينا كبيرا ، مكنتش أبدا اتعشم فى أفضل من كدا .

حتى إذا تحدث معى أحد المهندسين أو الاداريين بغلظة ، ابتسم واصمت وان تكلمت لا ازيد على كلمة : حاضر ، هم فى مثل عمر ابنى ويوما ما سيفوقهم أبنائى مكانة ولا أرجوا منهم أن يتعاملوا مع أحد من الذين تحت اشرافهم بغلظة أو قسوة أبدا فالرحمة كما الأخلاق تورث ..

تقطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام أو مستخدما للدراجة اذا كان المكان فى المتداول مثلا عشرون كيلومترا ، تحاول توفير كل قرشا فأبنائك فى حاجة إليه ، استفدت من نقلك لمحافظتك فاستأجرت قطعة من الأرض تزرعها ، يعينك أولادك وزوجتك ، تعود من عملك فتسرع الى الحقل تنجز العمل الذى يحتاجه ولا يقوى عليه أبناؤك ولا زوجتك ..

تستيقظ مع فجر كل يوم ، تيقظ الجميع للصلاة وتجلس تعلم أبناءك القرأن فقد تعلمت القراءة والكتابة فى القرية عندما كنت صغيرا ، قبل أن تتعلق بتروس الحياة فلم يكن لك نصيب فى الإلتحاق بالمدارس ، تتناولون الافطار ، وتعد لك زوجتك لفافة بها رغيفا من الخبز وقطعة من الجبن وحبة أو حبتين من الطماطم ، تلفهم جميعا فى ورقة تقطعها من شكائر الأسمنت الفارغة من الطبقات الوسيطة التى لا يمسها الأسمنت ، عند موعد الغداء فى الواحدة ظهرا ، تتوضأ وتصلى ثم تجلس فى ركن منفرد وأحيانا مع أصحابك ، تتناول غداءك ثم تقيل باقى الساعة حتى يحين موعد العودة الى العمل مجددا .

البنات كاللبن سريعة الفوران ، تكبر وهمومهم تكبر معهم وقد رُزقت بأربعة منهم ، توفر الشركة الأجهزة الكهربائية والمنزلية مثل الغسالات والبوتجازات والثلاجات والتلفزيونات والخلاطات ... بالتقسيط ، فتقدم طلبا لشراء ايا منها وعندما ينتهى قسط الجهاز تقدم على جهازا غيره وهكذا ، حتى تستطيع شراء الأجهزة اللازمة لعرس البنات ..

تصيبك امراض الشيخوخة وتتحامل على نفسك قدر الاستطاعة فلا تذهب إلى الطبيب إلا عندما يطول المرض ويشتد الوجع ويضغط عليك أبناءك لتفعل ، تحاول أن تعلم أبناءك الحكمة فتشركهم معك فى القرارات والاتفاقات وتصبحهم لصلة أقاربهم حتى يظل حبل الود موصولا بينهم وبين كل أقاربهم ، لا تشترى لنفسك شيئا إلا بعد أن تشتد حاجتك له وتحلفك زوجتك وتقسم لك أن تشترى لنفسك حذاء أو جلبابا أو "شالا أو تلفيعة " – غطاء للرأس ، أو بالطو يقيك برد الشتاء .

تبلغ سن المعاش فتغادر العمل فتستخدم المكافأة التى حصلت عليها فى اقامة مسكنا جيدا لأولادك ، تقضى الوقت بين المسجد والبيت وأصبحت مهمة الذهاب الى السوق أسبوعيا عليك بعد أن تزوجت بناتك وغادر أولادك لبلاد أخرى سعيا على لقمة عيشهم وأعيا المرض زوجتك فما عادت تستطيع فعل ذلك ، تلاطف وتلاعب أحفادك ، تملؤ جيبك بحبات الكرامل توزعها على الصغار فى أى مكان تجدهم فيه ، عرفوا عنك ذلك فأصبحوا ينتظرون لحظات رؤيتك فيسرعون إليك يعانقونك ويقبلونك ويطلبوا نصيبهم ، تشتاق لرؤية أولادك الذين يغيبون عنكم لأيام طوال وينبض وجهك فرحا وحبورا فور رؤيتهم ، تشتاق للحج فييسره الله لك وتود لو تحج زوجتك أيضا فقد ساندتك فى كل شئ وباعت ذهبها وحليها ، مثلك تماما تتحمل كل مر ولا ينطق لسانها إلا بالشكر والرضا ....

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

الله الله .....لقد وصفت ببساطه وروعة وسلاسة حال طبقة كبيره من المصريين الشقيانين الراضين ....ما أجمل كلماتك حقيقى ما شاء الله ....وكان فضل الله عليك عظيما