الثلاثاء، 31 أغسطس 2021

نهار حار

 

تمر علينا فى الليل  متعهدة ايجار الأنفار للعمل فى الأراضى الزراعية ، تدفع لنا الأجرة وتخبرنا بالأرض التى سنعمل فيها وطبيعة العمل ، نمر على بعضنا ونتفق ان نلتقى على ناصية الحارة فى الصباح ، نحمل ملابس العمل ونسير سويا وان تأخر أيا منا نمر عليه أو نرسل له من يستعجله وغالبا ما نجد صاحب الأرض على رؤوسنا منذ طلوع الشمس او متعهدة العمال ، تتقاضى عن كل عامل مبلغ من صاحب الأرض بخلاف أجرتها عن عملها أيضا وقد تتفق على مقابل معين لانجاز عمل بنظام المقطوعية وتكرى له هى الأنفار حسب المناسب لأجل تحقيق ربح اضافى ، وأحيانا يمر أصحاب الأراضى بأنفسهم يستأجرون العمال قبل الموعد المحدد بوقت كافى كى يتمكنوا من الاتفاق معهم قبل غيرهم ، وكان هناك أكثر من شخص يقوم أكثرهم من النساء .

نلتقى ونذهب جماعة الى " الغيط " وعلى ناصيته نقف صفا واحدا وكل منا أمامه المساحة المخصصة له ونبدأ فى العمل بعد أن نكون قد ارتدينا ملابس العمل وربطنا ظهورنا بالأحزمة أو بالشيلان " غطاء رأس الرجال " أو بالايشاربات " للفتيات " ونغطى رؤوسنا بقبعات صنعت من القماش والبعض يرتدى قبعات تحوى ما يشبه الشبكة البلاستيكية ، نقسم الأرض طولا أو عرضا حسب المسافة الأقصر حتى نشعر بما يتم انجازه فترتفع معنوياتنا فنسرع لاتمام المتبقى ، نبتسم كلما رأينا المساحة التى انتهينا منها تكبر وتكبر، المياه راكدة كنهر تسقط عليها أشعة الشمس فتلتقمها.

الشمس حامية ، تشوى رؤوسنا وتلسع ظهورنا ، المياه تكاد تغلى ، نشعر أن حريقا يشب فى جلودنا ، نشرب بعض الماء ، نرفع ظهورنا لنرتاح قليلا ، نوجه أبصارنا صوب السماء ، ونغطى بأيدينا عيوننا كى لا تصيبها لفحات الشمس ، تصب الشمس حرارتها علينا صبا ، الوقت ثقيل كأنه قطار معطل ، نسابق الألم كى نصل الى الجهة المقابلة من الحقل حتى يسمح لنا بالحصول على استراحة قصيرة ، أصحاب الأرض دوما يتأففون من ذلك يظننون أننا نتلكع ونضيع الوقت ، يخشون أن ينقضى النهار دون ان نكون قد انتهينا من انجاز العمل المطلوب وهناك من كان يفعل ذلك بالفعل ، نستريح مرة أو مرتان لبضع دقائق قبل الغداء وربما نستريح مرة واحدة بعد الغداء ان كان المتبقى من العمل يسمح بذلك ، وقت الغداء نصف ساعة تقريبا نتناول فيها غداءنا ونشرب شيئا من الشاى ان توفر ويصلى منا من يصلى ،  نستعجل انقضاء النهار ونبتهج حين سماع قرآن العصر يردد قادما من المساجد القريبة وتطل بعده النسمات الباردة التى ترطب عن اجسادنا ما حل بها من تعب .

ينتهى النهار وقبله يكون العمل قد انتهى ، تغرب الشمس الى واحتها وتصحب معها حرارتها وقسوتها ، فتفتح مجالا للهواء يتسرب منه نسمات طرية ، نلقى أنفسنا تحت الماء فينزل على أجسادنا بردا طيبا فيرد إليها الحياة بعد أن قضت الحرارة على ما بجلودنا من نفس ، نعود الى بيوتنا لنرتاح ، نقضى الليل على المصاطب نتسامر ، وفى الصباح نغدو الى شمس أخرى .



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

الله ....ما أشقاها هذه الدنيا على أناس كثيرون ....لقمة العيش فعلا صعبة صعبة جدا ومفيش نجاح من غير تعب ...ما أجمل الحصاد أيا كان وقته خاصة بعد التعب ...وصف فوق الرائع كالعادة حتى وصلت للشعور نفس شعور هؤلاء الشقيانين ما شاء الله حقيقى موهوب موهوب فعلا اللهم بارك