السبت، 7 أغسطس 2021

طاير يا هوى

 

طاير يا هوى طاير على المينا

رايح يا هوى تخبر أهالينا

قصة الهوى وتفتن علينا

أمرك يا هوى خبر أهالينا

أستيقظ عند الفجر ، العين مازالت ناعسة ، أرفع الغطاء بكسل ، ينبهنى أبى أن إقامة الصلاة قد أوشكت وأنه سيبسقنى الى المسجد ، أسرع خطواتى أتوضأ وأخطو نحو المسجد ، الطريق مظلم به لمبتيين فقط على أعمدة الانارة على ناصية حارتنا وناصية الحارة التالية ، ألمح كلابا متكئة وكلابا تدور حولها فأفزع ، أخاف الكلاب وأخاف العفاريت وأخاف الظلمة ، أتلو الكثير من الأذكار والأدعية التى احفظها ، الكلاب تشم رائحة الخوف ، أرفع صوتى بالدعاء حتى يغطى صوتى على دقات قلبى ، أستعين بالدعوات وأستأنس بها فى  خطواتى حتى وصلت المسجد ولحقت بالسابقين .

جينا يا هوى للبحر جينا

والشط ناسه بعيد عن عنينا

وحشتنا المياه لتدارى علينا

منك يا هوى ومن اهالينا

ننتهى من الصلاة وأعود بصحبة أبى الى البيت يخبرنى أننا سنذهب الى الحقل فاليوم موعد شتل الأرز ، أمس قضينا اليوم من مهده الى بعد المغرب فى الحقل أيضا ، نزعنا النباتات من المشتل ووزعناها بطول الأرض وغمرنا الحقل بالمياه بعد أن سوينا بعض الجوانب والمساحات التى كانت فى حاجة الى اصلاح وتسوية وشددنا الحد الفاصل بيننا وبين جيراننا كى لا تتجاوز المياه حقلنا إلى حقله فتتخطى الحد وأو تنفذ منه فتضر بزرعهم وكنا نطلق على الحد عند زراعة الأرز " الجيرة " .

عارف يا هوى ايه الحكاية

مكتوب على المياه قصتها معايا

وداريتها الموجه خايفة علينا

منك يا هوى ومن أهالينا

الجو كان حارا ، الربيع يودع أيامه والصيف يرسل رسله كى نستعد لاستقباله ، البركة فى الصباح يا بنى وشغلانة الصبح منسية .

ستلحق بنا أمك إلى الحقل بعد قليل بعد أن تجهز لنا الافطار ، نأخذ ملابس قديمة نرتديها أثناء العمل ، نتوجه الى الحقل ويصحبنا اخوتى ، نبدلس ملابسنا فى عشة أمام الحقل ، يتأكد أبى من أن المياه مناسبة وأن الحقل ليس فى حاجة لتشغيل ماكينة الرى لتزويد الحقل بالمياه .

اصطففنا بجوار بعضنا أبى ثم أنا ثم اخوتى ، نبدأ فى غرس الشتلات من نهاية الحقل ونعود بظهرنا تجاه مقدمته ، راكعين نعمل بكلتا يدينا ، كل منا له مساحة مخصصة بعرض متر او يزيد قليلا ، لا ترفع ظهرك فيؤلمك ولا تستند بيدك على ركبتك وحاول أن تحافظ على المساحة المخصصة لك فلا تتسع منك فترهق نفسك وتتأخر عن الصف ..

النهار بدأ يتكشف شيئا فشيئا ، والشمس بدأت تعلو وبدأنا نشعر بحرارتها ، ألمح فى مقدمة السكة " الطريق " المتجه الى الحقل أمى قادمة تحمل فوق راسها " المشنة " تضع فيها الافطار ، تلمع عينى وترقص أنفاسى فرحا ليس رغبة فى الأكل فلم ازداد جوعا بعد ولكن أرغب فى الاستراحة قليلا ...

دايما يا بحر مخبى أسرارنا

ولا عمرك مرة بتحكى أخبارنا

لكن الهوى ماله ومالنا

أمرك يا هوى خبر أهالينا

نتناول الافطار ، بيض وجبنة وقشطة " قشدة " ، طماطم وخضروات وخبز خبزته أمى واخوتى سابقا فى الفرن الرابض بجوار سلم بيتنا ، لم يكن عندنا تُرمس للشاى فأحضرت أمى معها البراد وأكواب نصب فيها الشاى ، جمعنا بقايا الاخشاب واغصان الاشجار الجافة وأشعلنا فيها النار وأعددنا عليها الشاى ، يستعجلنا أبى يقول اسرعوا قبل أن تزداد حدة الشمس ، أضع " القلة " التى نشرب منها الماء وقد أحيطت بقطعة من الخيش ، أغرسها فى الماء يقول أبى حتى تحفظ برودة الماء داخلها فاليوم لازال فى أوله وسنحتاج لتناول جرعات من المياه ....

تصطف أمى بجوارنا ويرتدى كل منا طاقية تحمى رأسه من حر الشمس وحزام لتخفيف ألام الظهر، يشرع كل منا فى غرس شتلاته ، أبتسم عندما أرى المساحة التى كانت منذ دقائق قليلة تشبه صحراء غمرتها المياه فأينما نظرت تراقص الماء تحت نظرك وقد أتست بزى اخضر ، غطتها شتلات الأرز وأخذت تتراقص طربا تتداعبها نسمات الهواء .

تجتهد امى وتسبقنى فأشعر بالغيرة وأعمل بجد فأسبقهم فيخبرنى ابى أنى أهملت المساحة المخصصة لى بسبب تركيزى فى السباق وتجاهلى لحدودى ، يا بنى اجتهد فى عملك ولكن أبدا لا تتجاوز حدودك فتأتى على حق غيرك ، تشفق على أمى وتقول أنها ستنجز المساحة التى تركتها فأبتسم وأعود أتم ما تركت فقطعا لن يغادر أحدنا الحقل وهناك شتلة لم تغرس بعد .

الشمس تعلو والبعوض ينشط يلتهم فى ايدينا وأقدامنا ، العرق يكسونا ، يقول أبى نظرة الى الجزء المتبقى تعلم أنك أوشكت أن تصل فتسرع لإنجاز أعملك ، التعب كله يزول مع أول شعاع تلمسه من ضى حلمك !

طاير يا هوى طاير على المينا

رايح يا هوى تخبر أهالينا

قصة الهوى وتفتن علينا

أمرك يا هوى خبر أهالينا



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

ياالله ما اروعك ايه الجمال دا ....ما أجمل زراعة الأرز على وصفك لها فعلا ما شاء الله .....دروس لا تنسى ولكنها حفرت فيك كل ما هو رائع وجميل