السبت، 21 أغسطس 2021

كحل وحبهان

 

رواية ... للكاتب الأستاذ / عمر طاهر .. صدرت عن دار الكرمة ... القاهرة 2019

فى بيت من بيوتنا القديمة ، تعيش أسرة مصرية تملؤ حياتها المودة ، تقرأ السطور تجد نفسك وسطها بحال من الأحوال ، تصف ما مر به كل واحد منا ، من حب الطفولة لبنت الجيران التى حتى لا تعرف اسمها ولا فى أى صف تدرس ، ودخان أول سيجارة ، ونكتة فاحشة ، ومشاغبات الصغار ، " عيبك يا سيسكو أنك تشكو الجوع دائما وعيبك يا خالو إنك حشاش " ،  الأصل انها تدور فى خمسة ايام لكن تمتد بنا الأيام فمع كل يوم قديم فى الثمانينات تنتقل الى فترة فى الكبر فى العقدين الأول والثانى من الألفية الثالثة ، حفلة للمطرب المفضل يغرى " سيسكو " خاله بحضورها ويخبره أنه سيعمل على اقناع والده بذلك شرط أن يفعل فى خلال الايام قبل الحفلة ما يجعل والده يوافق ، يسحره دوما أن يسأله أحدهم " اتغديت " ، يمر على شقق الجيران فيلقى بأنفه ليعلم طعام كل واحدة منهن ، ففى الطابق الأول طنط مديحة وروائح طعامها دوما هى الأشهى ، وفى الطابق الثانى طنط ألحان التى جعلته يؤجل قراره النهائى بشأن كرهه للسمك ، وفى الطابق الثالث الحاجة أم سمير التى تمتلك أسرار قائمة طعام المدينة الأصلى ورائحة طعامها يحرك معدته .

رواية عن الطعام ، الجوع ، الشبع ، اللذة ، العطش ، عن فن التذوق ، عن وصف الاشتهاء ، لا عجب أن يتسلل إليك الجوع وأنت تقرأ ، فإن كنت من اولئك الذين يحافظون على وزنهم ويضبطون أنفسهم بريجيم قاسى فلا يتناولون الطعام ليلا فنصيحتى لك ألا تقرؤها فى أى وقت من ليل ولكن إن مر بك " سدة نفس " فلن تجد أفضل منها يجعل ريقك يجرى وتسرع إلى أقرب مطعم وستعمل جليا على أن تدخل المطبخ بنفسك لتختار الأكلات إن لم تقم بإعدادها ، لا تقلق ستجد فى هذا الكتاب وصفا كافيا للأكلات حتى التى لا تحبها ، بعد القراءة قطعا ستغير رأيك .

لا تعجب إن وجدت نفسك تقول أن " المسقعة بديعة فى كل أحوالها مع الخبز أو مع أرز " حبة وحبة " ، خلطة ألوان ساحرة ، النظر اليها يرقق القلب .... " ، أو وجدت نفسك على عربة كبدة تتقاسم مع صاحبها سر اضافة جوزة الطيب الى " بطن النار " المكونة من الثوم والكسبرة والتى تسبق الكبدة الى التحمير ، أو تجد نفسك تبطن ساندوتشات الحلاوة الطحينية بالجبنة البراميلى وتدعى " إن لمس القلوب قاعدته الأولى كسر المألوف " ، فتجد " فى المشاوى رصانة قصائد أم كلثوم التى تطل عليك بعد منتصف الليل عبر الراديو فى ليلة شتوية ، بهجة القسط الأخير فى رحلة كانت مرهقة " وقطعا " بعد لحم جيد يستطيع الواحد أن يغفر أى شئ "  .

الطفل يكبر وحب الطعام يكبر معه ، فيبحت عن زوجة " تفتح نفسه " ، يبحث فيها عن طعام أمه ونفس جدته فى وسط كل طعام يأكله ، تفطن "صافية" لمبتغاه فترسل إليه كل يوم ما حرك ذائقته دون أن تخبره " مخبوزات بالقرفة " ، فيسعى حتى يعرف المرسل وتبدأ الحكاية ، لم تكن نحيلة سمراء كـ سحر حب الطفولة ولكنها ممتلئة قليلة ، فوضوية ، معبأة باللماضة وعندها رد لكل شئ ، تحب الأكل مثله .

فجاة تجد نفسك مقتنعا أنه " لا يوجد ما هو أشهى من طعام استقر لفترة داخل فخارة فى النار ، تماما كالتجارب التى تسوى جاذبية الواحد على مهل ، الحلويات تقول إن ما يجعل السعادة جذابا كونها استثناء ، الفاكهة التى أعود بها من السوق لا ضامن لها وهى غدارة مثل اختيارات الواحد العاطفية ... " .

ستجد معانى جديدة للاخلاص لم تخطر فى بالك يوما وستعلم للملوخية فوائد جمة حتى أن زراعتها تصلح فى أى تربة لكنها فقط تحتاج الى قدر من الدفء ، رائحتها هى الونس ولكل شئ رائحة وللتوابل معجزات جمة .



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

ما أبدعك والله .....سردك الرائع ليس أقل من دقة وصفك المعهودة .....جميل كحل وحبهان فعلا فاتح شهيه قوى ورائحة الطعام تكفى لفتح النفس المسدودة فعلا 😄 ....ماشاء الله للحظة اعتقدت أن الاسم ليس له علاقة بالمضمون كحل وحبهان ....سردك للروايه فعلا فيه تشويق وإثارة لقراءتها ..مبدع مبدع كالعاده