الأربعاء، 25 أغسطس 2021

المطارد

 

أجرى ، أسرع وأسرع ، أفر مبتعدا ، من شارع لشارع ، أقطع الطرق ، المنطقة خالية تماما ، لا أرى سوى أدخنة تتصاعد من بعض البنايات ، أين كل الذين كانوا هنا ، سيارات فوق بعضها تتصاعد منها ألسنة النار ، دماء متناثرة حول الزجاج ، أجرى بعين زائغة ، تعلو دقات قلبى ، خائفة متوترة ، صرخات مضطربة داخلى  ، ألتفت ورائى كثيرا ، أتعثر فأقع وأتكفئ وأقوم ألملم ثيابى ، يسقط حذائى فألتقطه بيدى ، أسمع أصوات من بعيدة أخاف ، أفزع ، أتسلل إلى محطة قديمة ، أختبئ خلف الأعمدة ، جماعات من الكلاب تنبح ، تجرى وأجرى ، من منا يطارد الأخر ، ألمح حجرات فى جانب ، أجرى نحوها ، أجرى بمحاذاة السور ، تفر الكلاب الى الجهة الأخرى ، أحاول أن لا أحدث صوتا يكفى ما فعلته الكلاب ، تنغرس بقدمى قطعة معدنية فأسقط ، تتناثر منها الدماء ، أنزع القطعة الحديدية من قدمى وأتلوى وجعا ، أحاول التماسك وأمشى ، أتكئ ، أدلف إلى الحجرات ، مخازن أبوابها موصدة ، لكنها أبواب قديمة ، أحاول دفعها ، الأول ، الثانى ، الثالث ، أستعين بقضيب حديدى ، أجعله بين الباب والجدار وأضغط فينفتح الباب ، تتلقفنى أفواج من الفئران تتقافز فى وجهى ، أرجع إلى الوراء ، ألتصق بالجدار ، فرت كلها إلى الخارج ، دواليب ومكاتب متآكلة ، تغذت عليها الفئران حتى ثمن بطنها ، بقايا أوراق مبعثرة على الأرض ، روائح عطنة ، بشعة لا أتحملها ، المصابيح لا تعمل ، الغبار وخيوط العنكبوت ، قطع معدنية متكدسة فوق بعضها ، صناديق مختلفة الأحجام ..

ألتقط أنفاسى ، أغلق الباب ثانية ، أجلس مستندا إلى الجدار ، أفرد قدمى أمامى وأضع يدى عليها ، أحاول كتم الدماء وايقاف النزف ، أمسك ببعض الأوراق ، أضعها فوق مكان الاصابة وأضغط عليها ، أقبض على أسنانى وأغمض عينى من فرط الوجع ، أمسح العرق عن وجهى ، مرارته مخلوطة بالتراب فى فمى ، أسحب نفسى إلى الداخل قليلا ، أستلقى ، أبتلع ألمى ..

أسترق السمع إلى الأصوات بالخارج ، نباح كلاب ، طلقات نارية ، تعلو حينا وتهدأ حينا ، أضع يدى على صدرى ، أعانق نفسى ، أخشى أن تتسرب روحى من بين مسام جسدى ، يمر الوقت طويلا ثقيلا ، الأفكار كلها هواجس وهلاوس ، أشم رائحة الموت ، أسمع صوت حركة فانتبه ، فأر يقفز فوق من صندوق بالأعلى ، أدفعه بيدى بعيدا عنى فيعلو صريره ويختفى داخل الصناديق .

أصارع هواجسى وخواطرى ، أمنى نفسى بالفرج ، هذه الغمة ستمر حتما ، عمر الشقى بقى ، لن أقتل فى هذه المرة أيضا ، أختبرت الموت فى مرات عديدة وفى كل مرة أظنها النهاية ثم أجد قارب النجاة ألقاه الله فى طريقى ، أسمع أصوات تقترب ، تفور دقات قلبى ثانية ، دب الرعب فيها بعد أن خمدت ، أسحب نفسى إلى الداخل ببطئ ، أحاول الاختباء خلف الصناديق المتكدسة ، تفر مجموعة أخرى من الفئران ، تتسلل تاركة مكانها لى ، الأصوات تقترب أكثر ، وقع أقدام تخطو قريبة ،  يكاد يقتلنى الخوف ، أسمع كلمات ، يبدو أن هذا الباب مفتوح ، أزيزطلقات نارية ، الباب يدفع ، يتسرب الضوء .......



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

يا لروعة هذا الوصف مطارد وكأننا نجرى معه حتى قطعت أنفاسنا حتى مرارة ألمه نتجرعها .....رائع فوق الوصف ماشاء على الإحساس رهيب رهيب فعلا .....مبدع مبدع مبدع كالعاده